Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/05/2010 G Issue 13740
الاربعاء 28 جمادى الأول 1431   العدد  13740
 
سؤال ليس سياسياً
د. فوزية عبد الله أبو خالد

 

تابعت هذا الأسبوع ثلاثة لقاءات تلفزيونية هامة بما يمكن أن يشكل قفزة نوعية ليس فقط على العادات الإعلامية المضيعة للوعي وللوقت معا بل وهذا مربط الفرس فإن تلك اللقاءات في رأيي قد تشكل قفزة نوعية على عادتنا العتيدة

في التكتم بالمجتمع السعودي على كل ما له علاقة بالشأن العام وكأنها أسرار شخصية لأطرافها وليست في بعدها العام تعبيراً عن قضايا وطنية وثقافية قد تخص المجتمع ككل مجتمعاً ودولة.

وكانت تلك اللقاءات على التوالي حوار د. سليمان الهتلان مع المستشار القانوني محمد سعيد طيب ولقاء أ. سعود الدوسري مع كل من الشيخ عبدالمحسن العبيكان والدكتور عايض القرني.

وما ميّز تلك اللقاءات أنها كانت تتناول الجانب المسكوت عنه في تجارب بعض المواطنين من المثقفين وهو جانب العلاقة مع السلطة وهو جانب غالباً ما جرت العادة على التستر عليه في محاولة كل طرف من أطرافه نسيان موقف الآخر منه خاصة عندما تمر تلك العلاقة بموقف أو تجربة تضع علاقتهما المتوترة بطبيعتها في عين العاصفة.

وعلى اختلاف طبيعة المرجعيات الفكرية والمواقف السياسية والماضي الشخصي في بعده العام بين شخصيات تلك الحوارات فإن المتابع لا يملك وإن احتفظ بحقه في طرح الأسئلة في العلاقة بين المثقف وبين الدولة في تفاصيل تجارب أصحابها وما آلت إليه، إلا أن يخرج منها باحترام لما تمثّله مثل تلك الحوارات من بادرة نادرة وخاصة على مستوى الطرح التلفزيوني في احترام عقل المشاهد وتقدير وطنية المواطن في حق الحرية الذاتية بغض النظر عن المواقف السياسية أو بها.

وعلى أن مثل هذه الحوارات على ندرتها أو بالأحرى جدتها في السياق الإعلامي العام قد تقرأ عدة قراءات مما قد لا يخلو بعضها من تلك القراءات المتوجسة المرتبطة بتاريخ العلاقة المرتابة بين الدولة وبين المثقف في عالمنا العربي، فإن ذلك لا يمنع أن نتفاءل من ناحية وأن نتساءل من ناحية أخرى في محاولة البحث عن قراءات موضوعية لها.

فتلك الحوارات وإن لم تأت في عمومها وباستثناء بعض التفاصيل بمعلومات لا تتناقلها المجالس الخاصة وراء أبواب البيوت والاستراحات بما فيها مجالس شرائح واسعة من عامة المواطنين بحسب درجة الاقتراب أو الابتعاد من الشأن العام والاهتمام بشؤونه وشجونه, فإن إخراج تلك المادة من دائرة التلعثم إلى دائرة الإفصاح ومن دائرة الشائعة إلى دائرة المعلومة ومن دائرة التلصص أو الاستخفاء وهذا الأهم إلى دائرة المشروعية قد يشكل تحولا نوعيا ليس في علاقة الدولة بالمثقف أو علاقة السياسة بالثقافة، بل في علاقة المجتمع والدولة معاً بمسألة حق الانتماء في العلاقة بالوطن وحق التعبير عن تلك العلاقة بصور متعددة على ألا يكون في أي منها مس بسلامة الآخر أو بالمصالح الوطنية فيما يمس الأساسيات المبدئية لمعنى الوطنية. وفي هذا لا تكون المواقف النقدية وحتى المواقف المعارضة مجالاً لتبادل التشكيك في الولاءات أو الوطنية، بل تعبيراً عن التنوع وعن حق الشراكة بين المجتمع والدولة في العالم المعاصر في تحمل مسؤولية التحديات.

وفي هذا وبقمع رغبتي في الحديث عما جاء في تلك الحوارات نفسها ومؤشراته الاجتماعية والسياسية على وجه التحديد أو على الأقل بمحاولة تأجيل ذلك لمقال آخر لو سمح رئيس التحرير حينها فإنني أنتقل لبعد آخر مما له علاقة بموضوع تلك الحوارات على اختلافها.

لا بد من شجاعة الاعتراف من أن علاقة المثقف المستقل على وجه الخصوص بالدولة عبر التاريخ الاجتماعي القديم والحديث هي علاقة إشكالية بطبعها على رغم مشيئات هذا أو ذاك من أطرافها، أو ما يجري من محاولة «تطبيعها خاصة إذا جاء ذلك كما يحدث في المجتمعات العربية اليوم (على حساب سؤال الحرية).

إن محاولة حل هذه العلاقة الإشكالية بالاعتماد على حسن النوايا تارة وبالركون إلى التمني تارة أخرى، هي محاولة بالضرورة فاشلة أو على الأقل مشكوك في جدواها وبالذات إذا أتت بدوافع وآليات لا تريد من (تحسين) هذه العلاقة إن صح التعبير إلا التستر على الفجوة بين الدولة والمثقف وليس مواجهة أسبابها المركبة وغير القابلة بطبيعتها لحل نهائي.

والحقيقة وهي حقيقة نسبية وقابلة للتعدد، بل النقض بالمستجدات إن الطبيعة الإشكالية بين الدولة وبين المثقف أو بين السياسة وبين الثقافة لا يرجع لرغبات عدائية لدى أي من الطرفين بقدر ما يرجع لنوع العلاقة الجدلية بين المستتب وبين المتغير في معادلة التحولات الاجتماعية والفكرية للمجتمعات.

وفي هذا يمكن القول: إن مثل هذا الفضاء من الحوارات أو الوقوف على التجارب السياسية وإن كان لن يحل العلاقة الإشكالية بين الدولة وبين المثقف فهي علاقة طبيعية في إشكاليتها إلا أنها أي الحوارات خاصة إذا خلت من أن أي نزعات (استتوابية) أو (استعراضية) يمكن أن تشكل مؤشراً إلى مطلب وضرورة توفير الشرط الحضاري والقانوني لتكون تلك العلاقة علاقة جدل إيجابي.

هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد