تعرّض السوق العقاري في المملكة خلال العقد المنصرم للعديد من المؤثرات الاقتصادية والقانونية والتي لعبت دوراً رئيساً في تشكيل هذا السوق وتحديد مدخلاته ومخرجاته ومستوى أسعاره وبالطبع تطوره. فبدءاً بانتعاش سوق الأسهم، وارتفاع أسعار النفط، ثم تدخل الدولة في إيقاف المساهمات العقارية واستبدالها بلائحة صناديق الاستثمار العقاري، ومروراً بالأزمة المالية العالمية وانهيار سوق دبي العقاري (إذا صح التعبير) فالجمود النسبي في حركة السيولة النقدية في المملكة، كل ذلك وتعاقبه خلال فترة زمنية اقتصادية قصيرة أدت إلى زعزعة استقرار سوق العقار وعملت على إبهام معالمه وتمييع مؤشراته. كان العقار وما زال البيت الآمن في معتقد الكثيرين لاستثمار أموالهم، وكانت إدارته مقتصرة فيما مضى على جماعة من العقاريين سواء كانوا ملاكاً حقيقيين أم واجهات لملاك فضلوا البقاء في الظل لإدارة ممتلكاتهم لسبب أو لآخر، وعملوا على جمع الأموال تحت مظلة نظام المساهمات العقارية فترة ليست بالقصيرة. استغل البعض منهم ضعف ذلك النظام وخلوه من آليات المتابعة والرقابة إلى إهدار الملايين بل المليارات في مشاريع إما وهمية أو ذات مستوى لا يليق بمدن في العالم السابع، واقتصر غالبيتها على شراء أراض كبيرة وتطوير بنية تحتية رديئة لها وتخطيطها تخطيطاً أبعد ما يكون عن حاجات المجتمع وتوجهاته وبيعها بأسعار باهظة. لكن في المقابل كان هناك حركة نشطة في السوق أتاحت المجال لتدوير المال وإيجاد مخزون جيد من الأراضي القابلة للبناء والتعمير.
وقعت لائحة صناديق الاستثمار العقاري على معظم العقاريين وقع جلمود قيس، فبين ليلة وضحاها بات الحل والربط بيد الشركات المالية والتي جاءت معظمها وقادتها من خلفيات بنكية مالية، وحيث إن العلاقة بين الاثنين (البنوك والعقاريون) كانت فاترة لعقود مضت لأسباب يطول شرحها ولكن أهمها انحسار الثقافة المالية لمعظم العقاريين وتجمد الفكر البنكي عن إبداع منتجات تخدم صناعة العقار، فإن العلاقة انتقلت من الفتور إلى النفور، فرجالات العقار ينظرون للشركات المالية بأنها عبء ثقيل قليل الخبرة في مجالهم سيحد من حريتهم في التصرف بالمال ويعيق حركتهم في إقامة المشاريع وشريك سيتقاسم معهم الربح، فيما تنقسم الشركات المالية في نظرتها إلى قسمين: قسم غلب عليه التحوط وتجنب المخاطرة والدخول في سوق لا يعلم عنه شيء، وقسم ينظر للعقاريين نظرة شك وريبة وتعال وعدم احترافية. إن وضع طرفي النقيض في غرفة واحدة جعلت كلاً منهما يلتزم زاوية من زواياها وينتظر الفرج، وهذا ما عطل الكثير من المشاريع وحصر صناديق الاستثمار العقاري المطروحة للعامة في أصابع اليد الواحدة منذ إعلان اللائحة.
ومن جهة أخرى فإن طرح تلك الصناديق المحدودة العدد برهن وجود بصيص أمل في إمكانية التوافق بين الطرفين والعمل معاً لتحقيق أهدافهما المشتركة ولكنها تحتاج لشيء من التنازلات، فعلى رجالات العقار رفع مستوى الاحترافية في شركاتهم وتحويرها من شركات لشراء وبيع العقار إلى شركات تطوير تعمل بمعايير عالمية، وعلى الشركات المالية الخروج من صومعتها واعتماد الفكر الإبداعي في خلق منتجات استثمارية عقارية تعود عليها وعلى المستثمرين والبلد بالفائدة المرجوة. إن وجود مثل هذه الشراكات بين العقاريين والشركات المالية هو بالتأكيد السبيل الأوحد لتدوير عجلة صناعة العقار من جديد وطريق سيفتح أبواباً مغرية لم يتصور أحد وجودها، والتجربة خير برهان.
عضو الجمعية السعودية لعلوم العقار