الببغاء والمرآة وجهان للإنسان، المرآة تنطق بصمت، والببغاء ينطق بصوت, ومع أن المرآة رفيقة الإنسان يزين بها زوايا بيته، وحجراته الخاصة، ويحملها معه حيث يذهب، وهي التي ترافقه سيره لتعكس له دربه، وتحذره من مفاجآته، فإن الببغاء من الطيور الأليفة التي بات المرء يقتنيها للتندر والمتعة والتفكه على قدرتها بتقليده، وتكرار ما يقول، ونقل بعض التفاصيل عنه، لذا يدفع من أجل اقتنائها مبالغ كبيرة تحديداً تلك القادرة على الترديد لكل ما تلتقطه، لذا وسم الإنسانُ الإنسانَ المردد لما يقول غيره بالببغاء، وفي ذلك درجت القصص والآثار،...
المدهش أن المرآة تعكس للإنسان وجهه، لكنه يجهل كيف يقرأ هذه المنعكسات قراءة دقيقة لأبعادها وخفاياها ومؤشراتها، إذ هو لا يقرأ إلا ما تعكسه من جانب أناقته وجماله وترتيب مظهره، فيقوم بتعديل ما لا يكون في هيئته مناسباً، ويضيف لمساته لكمال مظهره، ويقف عند هذا الحد في التعامل مع لغة المرآة، فإن ذهب لأبعد فهو يتلمس خطوط الزمن أو آثار أفعاله فيه..، غير أنه وهو يتندر على تردد أفعاله وأقوله من قبل الببغاء يبقى بعيداً عن قراءة دقيقة لسلوكه، وأفعاله، فالببغاء حيث يكون من حوله مؤدبين هادئين ذاكرين فإنه يردد كلماتهم، ويعيد جملهم، وتنخفض أو ترتفع نبرات صوته مع تردد ذبذبات مراتب أصواتهم، وحيث يكونون بذيئي اللسان، إنفعاليين، فوضويين، فإنه ينقل كلماتهم يردد ألفاظهم ويصور بيوتهم ما فيها من الحوار، وما هي عليه من الأقوال، الببغاء يضحك كما يضحكون، ويكح كما يألمون، ويصرخ كما يصرخون، ويناقش بما يناقشون، يكبر إن كبروا ويقيم الصلاة إن يفعلوا، بل يردد آيات من القرآن كما يرددون، تعرف الناس من مرآة الببغاء، وتعرفهم من ببغائية المرآة...
لكن كيف يقرأ الإنسان نفسه في المرآة وفي ترديد الببغاء.., هذا أمر ربما يكون آخر ما يتفرغ له الإنسان ولو لمدة من الوقت كالتي يتفرغ فيها لترتيب خارجه وإضافة لمساته عليه أمام المرآة، أو كالتي يهبها للتندر والتفكه أمام الببغاء وهو يزجه داخل سياج من الحديد، يرتفع ثمنه ويختلف تصميمه حسب مقدراته الترفيهية..!