ينتظر أن تكون القيادة الفلسطينية قد أعلنت أمس موافقتها على انطلاق المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لمدة أربعة أشهر حسب رغبة الإدارة الأمريكية التي اكتشفت أن السلام في منطقتنا لم يعد مصلحة إسرائيلية وفلسطينية بل هو أيضاً مصلحة أمريكية!!
نعم السلام العادل والأمن في منطقتنا مصلحة إنسانية عالمية ولكنه ليس مصلحة إسرائيلية ولا مصلحة أمريكية، لأنه لو كان ذلك حقيقياً ما الذي يمنع من تحقيقه؟!
السيناتور ميتشل المكلف من الرئيس أوباما بالاشراف على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لا نشكك بكفاءته ولا حتى برغبته الشخصية في إحلال السلام في الشرق الأوسط فهو الخبير الذي أوصل الإيرلنديين إلى اتفاق الجمعة العظيمة الذي أنهى بموجه صراعاً دام سبعة قرون.
فلماذا لن ينجح في إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين لا يزيد عمر صراعهم على قرن من الزمان بالكثير؟!!
إن غياب الإرادة السياسية لدى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في مواجهة الصلف الإسرائيلي، وتفعيل الشرعية الدولية في مواجهته هي السبب في الاخفاق المتوقع لكل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة منذ ثمانية عشر عاماً لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل خاص وبينهم وبين العرب بشكل عام.
فمنذ مبادرة السلام العربية الأولى التي أطلقها المرحوم الملك فهد بن عبدالعزيز وتبنتها القمة العربية في مدينة فاس سنة 1982م وما تلاها من جهود دولية كانت الأطراف العربية الأكثر تجاوباً مع المعلن من تلك الجهود سواء في مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991م وغيره من الجهود التي بذلت وتوجت الرغبة العربية والفلسطينية في السلام في قمة بيروت العربية لعام 2002م في اعتماد مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام بين العرب وإسرائيل أساساً للحل العادل للقضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ومخلفاته من استيطان وغيره وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.
إلا أن إسرائيل مازالت تفوت الفرصة تلو الأخرى مستخدمة ذرائع واهية يكشفها نهمها الاستيطاني والتوسعي على حساب الأراضي الفلسطينية والعربية واستمرارها في سياسة القفز والتجاوز للتطلعات الوطنية الفلسطينية التي باتت لا تقبل التجاوز أو التجاهل أو النسيان كما ظن ويظن قادة إسرائيل السابقين واللاحقين، رغم ما يعتري الحالة الوطنية الفلسطينية من انشقاقات وانقسامات قد تستفيد منها إسرائيل مرحلياً للتغطية على مواقفها المعادية للسلام ولإنهاء الصراع.
لقد أدركت القوى الدولية مجتمعة أن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي يتمثل في إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية وأن ذلك أصبح ضرورة دولية لا إقليمية فقط!! كما يدرك خبراء إسرائيل أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع ولا يمكن التوصل لإنهائه دونها، وهذا ما يفسر جدول أعمال مؤتمر هرتسيليا السنوي الذي يتصدر جدول أعماله منذ الدورة الأولى في عام 2000م إلى الدورة الأخيرة في عام 2010م تتصدره المسألة الفلسطينية والأمن الإسرائيلي وهما في الحقيقة بند واحد لارتباطهما الوثيق بمستقبل إسرائيل في المنطقة، لكن قادة إسرائيل والقوى العنصرية والفاشية المتطرفة المتحكمة في قرارها لا زالت تعتقد أن المسألة الفلسطينية ومسألة الأمن لا يمكن التعامل معهما إلا عبر سياسة القوة الغاشمة التي لا تقيم وزناً للشرعية الدولية ولا للتحولات الجارية في مواقف الدول والمبنية على أساس مصالحها وفي مقدمتها الدول الأوروبية وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت ترى في إقرار التسوية والسلام في المنطقة مصلحة أمريكية عدا عن كونها مصلحة إسرائيلية وفلسطينية، لذلك على القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة أن تفضح هذه المواقف الإسرائيلية المغامرة بمصالح الشعوب بل أصبحت هي الخطر بعينه على مستقبل إسرائيل في المنطقة، فالعرب لن يبقوا مبادرتهم السلمية إلى الأبد على الطاولة كما عبر عن ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإن التقط العالم الفرصة نسبياً إلا أن إسرائيل لا زالت تعيش نشوة القوة والهيمنة والسيطرة والتوسع...
من هنا ليس المطلوب من السيناتور ميتشل أن يتنقل بين طرفين لينقل لهما أراءهما إن المطلوب أن يتقدم بتصور متكامل مبني على أساس الشرعية الدولية التي عبرت عنها قرارات الأمم المتحدة وبيانات المجموعات الدولية المختلفة، وأن يكون هذا التصور مبني على إرادة سياسية هادفة لفرض السلام وإذا لم ينجح في ذلك من خلال المفاوضات الثنائية مباشرة أو غير مباشرة أن يعلن أن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة مضطر أن يقوم بتفعيل الشرعية الدولية وفق الآليات التي تفرض العقوبات الدولية اقتصادية، وسياسية، وربما عسكرية على إسرائيل حتى ترضخ للإرادة الدولية وتسلم باستحقاقات التسوية التي تؤدي إلى الأمن والسلام في المنطقة، لا أن يرتد أمام الصلف والعنت الإسرائيلي لمواصلة الضغط على الطرف الفلسطيني والعربي لتقديم مزيد من التنازلات التي لا يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون أو العرب، وستكشف حينها حقيقة المواقف الدولية والأمريكية المنحازة لصالح الصلف والعنت الإسرائيلي والمخالف والمعادي للشرعية الدولية، وهنا تصبح المسؤولية الدولية في إقرار السلم والأمن الدولي تقع على عاتق مجلس الأمن ودوله الدائمة العضوية.
فهل يستطيع السيناتور ميتشل أن يقود المفاوضات غير المباشرة للوصول إلى يوم جمعة عظيمة تحل السلام بين الفلسطيين والإسرائيليين، الحقيقة أن الإرادة السياسية الحقيقة غائبة لدى الطرف الإسرائيلي كما هي غائبة أو محل شك كبير لدى راعي العملية التفاوضية!!.
*عضو المجلس الوطني الفلسطيني - مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية
E-mail:pcommety@hotmail.com