لدارة الملك عبدالعزيز جهود موفَّقة، وإنجازات مشهودة، في ميدان العناية بتاريخ وطننا العزيز: جمع معلومات عنه، ونشر دراسات حوله. وهذا أمر ليس بمستغرب؛ بل إنه متوقع كل التوقع،
|
ومرجو كل الرجاء؛ ذلك أنها تحمل اسم مؤسس دولة هذا الوطن، التي ننعم بظلالها الوارفة أمناً يرجو الجميع أن يزداد رسوخاً وثباتاً، ورخاء يأمل المواطنون، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، أن يعمَّ كل فئاتهم. وهي - إلى جانب ذلك - مركز علمي بحثي يرأس مجلس إداراتها، ويرعاها حق الرعاية، مؤرخ من نسل ذلك المؤسس العظيم، عاشق للتاريخ الوطني، ومعتن به، وحجة فيه، بل فاعل مشهود له في صنع هذا التاريخ. وفي ظل رعايته الكريمة يقوم العاملون في الدارة، أمانة عامة وباحثين وإداريين، بما يستطيعون القيام به من جهود، أداء للواجب الذي أُسندت إليهم مهمة مسؤولياته الجسام. فالشكر كل الشكر للجميع.
|
إنجازات الدارة يمكن لكاتب هذه السطور أن يعد شيئاً منها ولا يعددها. ومن هذه الإنجازات المباركة الموفَّقة إقامة ندوات عن ملوك هذا الوطن الكرام، الذين ورثوا حكم باني وحدته، ومحقق أمن أهله، وواضع أسس نهضته الحضارية.
|
لقد سبق للدارة، مشكورة مقدرة، أن أقامت ندوة عن الملك سعود، ثم ندوة أخرى عن الملك فيصل - تغمدهما الله برحمته وغفرانه. وها هي الآن تواصل المسيرة؛ فتقيم ندوة عن الملك خالد، رحمه الله تعالى. وإذا كان الباحثون من داخل الوطن وخارجه قد ألقوا الكثير من الأضواء على تاريخ العاهلين سعود وفيصل في الندوتين اللتين أقامتهما الدارة عنهما فإن المؤمل أن يلقي الدارسون المشاركون في الندوة عن الملك خالد، والباحثات المشاركات فيها، ما يؤمل من أضواء على تاريخه وجوانب إنجازاته. ومن المعلوم أن لكل واحد من هؤلاء الملوك الثلاثة شخصيته المميزة، وإنجازاته الواضحة، لكنهم جميعاً كانوا يقتفون نهج والدهم المؤسس، رحم الله الجميع.
|
وكنت قد أشرت إلى ومض من ذلك النهج مع الاعتزاز بالوطن، وذلك ضمن أبيات قدمت بها دولة رئيس وزراء تركيا رجب طيِّب أردوغان، عند تسلُّمه جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام هذا العام في حفل عرس علمي فكري، قائلاً:
|
ورحاب الزفاف دار حماها |
لأهاليه في الورى عزُّ شان |
وطنٌ في يديه كسب المعالي |
إن تسامت إلى العلا أوطان |
شاده وحدةً عزيمة فذٍّ |
لم ينم مثلما ينام الهدان |
وامتطى الحزم ظهر مهر أصيلٍ |
فتجلَّى على الربوع الأمان |
واكتست بردة العدالة حكماً |
مورداه الحديث والقرآن |
واقتفى خطوه بنوه ملوكاً |
مثلما كان طيِّب الذكر كانوا |
رفعوا راية التقدم نهجاً |
وهدى الوحي في المسير الضمان |
لن أتحدَّث هنا حديثاً علمياً عن حياة الملك خالد - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - ولا عما تم في عهده من إنجازات على المستوى الوطني؛ ذلك أني واثق كل الثقة بأن في بحوث من يشاركون ويشاركن في الندوة، التي تبدأ هذا اليوم عن تلك الحياة الطيِّبة والإنجازات الواضحة، ما يثري ويبل ظمأ الظامئين.
|
على أني أود أن أشير - باختصار شديد - إلى شيء من صفات ذلك الراحل النبيلة. أولى هذه الصفات أن الصلاح كان يغمر فؤاده؛ فكان مثلاً في الاستقامة الخلقية، وكان التواضع ثوبه الجميل الذي لم يخلعه لحظة من حياته. وثانية هذه الصفات أنه كان مثلاً في العفو والصفح. ولو لم يكن من الأدلة على هذا إلا إطلاق المساجين السياسيين في بداية حكمه لكفى دليلاً واضحاً.
|
وثالثة هذه الصفات أنه مع تحليه بما ذكر من صلاح وتواضع وعفو وصفح كان رائعاً عظيماً في الحزم إذا حدث ما يخدش الأمن، أو يمس الشرع المطهَّر، أو يسيء إلى سمعة الوطن وأهله. ورابعة هذه الصفات النبيلة أنه كان خادماً لدينه، محباً ومقدراً لعلماء الشريعة، وبخاصة من كانوا جديرين بالمحبة والتقدير من مشايخ هذا الوطن، وأنه كان غيوراً على أمته العربية. وما زال الكثيرون - داخل وطننا العزيز وخارجه - يذكرون ويشكرون موقفه القوي ضد اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني؛ شأنه في ذلك شأن بقية زعماء العرب إلا مَنْ ندر منهم وشذَّ عن الإجماع حينذاك. وما زال الجميع يذكرون ويشكرون مسارعته إلى تحمُّل نفقات إعادة بناء المفاعل العراقي، الذي حطَّمه الصهاينة بعدوان جوي عليه. بل ما زالوا يذكرون ويشكرون، أيضاً، موقفه العظيم؛ حيث تفجَّر ألماً وغضباً بعدما دخلت القوات الصهيونية لبنان، واجتاحت عاصمته بيروت عام 1982م، وجيوش الدول العربية تقف متفرجة لا حول لها ولا طول. وكان في ضميره أن هناك اتفاقية دفاع مشترك بين الدول العربية. وهناك مَنْ يرون - ولعل رأيهم صائب - أن تلك الحادثة (الخزي للعرب) هي التي رفعت ضغط الدم لديه؛ حيث كانت سبباً من أسباب انتقاله إلى رحمة الله. جعل الله في ميزان حسناته كل ما قام به من عمل جليل خدمة لدينه ووطنه وأهل وطنه وأمته.
|
|