كلُّ لقاء لاثنين أو أكثر، مجال للحوار، وكلُّ حوار بين اثنين أو أكثر مدار فكرة، وكل فكرة واضحة سبيل لالتقاء القناعات، أو تبديلها، أو الإضافة إليها،..
ولا يثمر لقاء دون أن ترقى لغته، ولا ترقى لغة حوار دون دعامة خلق..
فأصحاب الأخلاق الفاضلة هم من تحلو لقاءاتهم، وتثمر حواراتهم..
وسيّد الأخلاق بين البشر، من شهد له ربه العظيم، بعظمة خلقه، فقال له مخاطباً، خطاباً مباشراً عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم: ?وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ?.. وليس لله تعالى أن ينطق لعبده ورسوله إقراراً بخلقه وهو تعالى يعلمه، لولا التأكيد على أهمية الأخلاق، فيمن يحمل الرسالات بين البشر.. إذ من سمات الأخلاق، حين يكون لأداء الرسالات أن يواجه الطرف الناقل بالقول، الممثل بالعمل، مضامين ما يلقيه في لقائه بالآخرين، من أفكار، وتعليمات، وتوجيهات، وشرائع، وتنظيمات، أن يكون هذا الحامل للرسالة ليناً، لذا أتم تعالى تأطير السبب للإقبال عليه صلى الله عليه وسلم، وقبول دعوته، والامتثال لرسالته باللين، ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ?,,,
وأحسب أن هذه الأخلاق النبوية لرسول الحق صلى الله عليه وآل بيته وصحابته وسلم هي أس النجاح لمن يشاء أن يكون فاعلاً في التأثير عند أي لقاء، عند تربية النشء، وتعليم النظام، وحوار الأطراف، سواء في ملتقيات الأدب، أو الفتوى، أو التربية والتعليم، أو الوسائل الإعلامية، ومنتديات الفضاء الافتراضية، وأيضاً في حوارات الأقلام، ومجالس الصحب، وحيث يكون اثنان أو أكثر، عمَّ لقاؤهما أو خصَّ...
فقد تكشفت نقاط الضعف في تربية الأخلاق بين غالبية الناس, وظهر الفقر في اتباع القدوة المثلى رسول الله المصطفى المصفى من شوائب الأخلاق،
حين نجد أنّ لا أدب في الاختلاف, ولا تأدب في التناقض مع الأطراف..
الناس لا تقوى مع بعضها إلاّ بالتطاول على بعضها، بينما القوة في كظم الغيظ، وتأليف النفوس، وقبول الآخر مع الاختلاف، إلا ما كان منه مع الحق، أو تجاوز حداً لله تعالى...
أفلا يلتفت إلى تربية الأخلاق لتكون مشرباً بارداً، ومنبعاً ثراً، بدل أن تكون لباساً قابلا لأن ينتزع، وحجاباً مؤقتاً يمكن أن يزاح، بقياس المجالس والجلاس؟...