ينظر إلى العودة السريعة نسبياً في ربحية قطاع المصارف العالمي على أنها من أهم قصص النجاح التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية كردة فعل قوية لمكافحة الأزمة. فقد تم تقليص التوقعات الحالية للخسائر المتعلقة بالبنوك كما أن حالة الاستنفار قد أفسحت المجال للتفاؤل الحذر. ومع أن البنوك قد استعادت توازنها من ناحية الربحية، إلا أنها لم تستعد بعد دورها كوسيط مالي. ورغم أن سعر الائتمان منخفض تاريخياً، إلا أن القروض الجديدة بقيت عند الحد الأدنى. وفي الوقت ذاته، بعد أن دفعت ثمناً باهظاً لدعم المؤسسات المالية الرائدة، فإن بعض الحكومات تواجه بشكل متزايد متاعبها المالية الخاصة، مما يدعم ارتفاع نمو الائتمان. فتخفيض الديون السيادية اليونانية إلى حد جعلها بلا قيمة تذكر يهدد بإشعال المرحلة القادمة والتي قد تكون أكثر خطراً من الأزمة ذاتها.
كأن شيئاً لم يكن: لقد كان قطاع المصارف هو المحرك الأساسي للانتعاش الاقتصادي العالمي الملحوظ خلال العقد الماضي، ففي نهاية المطاف كان المحرك الأساسي ثم بات ضحية الأزمة فيما بعد. فنسبة الأصول المالية العالمية إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي قد ارتفعت من 120% في 1980م إلى 358% في 2007م، وقد أجريت نسبة متزايدة من النشاط خارج نطاق التنظيم الرسمي. وقد تركت هذه الاقتصادات الغربية على وجه الخصوص عرضة للانكماش الاقتصادي، وهو الأمر الذي أثار أقوى الاستجابات السياسية على الإطلاق. وقد تم إنقاذ المؤسسات الكبرى كما استفاد القطاع ككل من عدد من تدابير الدعم المالي والنقدي.وقد دفع هذا البنوك الكبرى لتحقيق الأرباح كما خفض صندوق النقد الدولي تقديراته لمجموع خسائر قطاع المصارف منذ بداية الأزمة حتى 2010م من 2,8 تريليون دولار إلى 2,3 تريليون دولار.
القيود الائتمانية: ومع أن الأسوأ قد تم تجاوزه، إلا أن الأزمة استمرت بقوة في مجال الائتمان المصرفي. وحتى الخطوات المهمة المتخذة لإعادة تنشيط الأسواق بعد أن كان للزيادة الحادة في تكلفة الإقراض أثر ضئيل على أحجام الإقراض. وفي معظم البلدان، بقي ائتمان المصارف راكداً، وقام سوق السندات بتعويض نسبة ضئيلة فقط من هذا النقص. وفي ظل غياب الوساطة المالية العادية، فقد عانى الانتعاش حتى تمكن من استجماع قواه وبقي معتمداً بشكل كبير على الدعم الحكومي في وقت بلغت فيه الديون والعجز في القطاع العام في أغلب الاقتصادات الغربية مستويات تاريخية.
المخاطر التنظيمية: انعدام الائتمان الجديد كان جزئياً بسبب تجنب المخاطر المستمر، وجزئياً بسبب الانخفاض الشديد في معدلات الفائدة والتي ثبطت التحركات تجاه الإقراض عالي المخاطر حيث تكفي حتى العوائد المنخفضة لتوليد أرباح. ومع ذلك، فقد أضافت المخاطر التنظيمية الكثير للقلق العام. وقد سعت البنوك لبناء قاعدات لرأس المال والسيولة تحسباً للوائح أكثر صرامة. فالتقدم البطيء في صياغة القوانين الجديدة، إلى جانب التسييس المتزايد للعملية، زاد من حدة المخاوف. فالدفعات السياسية المحتملة والمتعلقة بتعويض بعض الدعم الحكومي الهائل أو فرض لوائح أكثر صرامة، تم تصعيدها في أعقاب تنامي الغضب الشعبي بشأن الزيادات وقضية الاحتيال في بنك جولدمان ساكس.
لكل شيء ثمن: في حين لم يفعل تدخل الحكومة لدعم البنوك شيئاً يذكر لتعزيز التدخل المالي، إلا أنه فرض تكاليف مالية هائلة وحول التركيز إلى الموارد المالية الحكومية الضعيفة في عدد من الدول. فالتخفيض الأخير، خصوصاً لليونان، من قبل وكالات تصنيف الائتمان، يذكرنا بالبداية المشئومة لأزمة الائتمان. ويبدو أن الاستثمارات الآمنة قد أظهرت هشاشتها والانهزام النظامي قد أثاره التخفيض الذي قامت به وكالات تصنيف الائتمان، والتي كان دعمها مهماً جداً لقبولها الأوراق المالية على نطاق واسع.
وبسبب معاهدة النمو والاستقرار، كان من المفترض أن تكون اقتصادات منطقة اليورو منخفضة المخاطر. وبدلاً من ذلك، فقد وجدت بعض منها نفسها في خضم الأزمة، فعلى سبيل المثال، بلغت تكاليف إقراض اليونان 18% لسندات الخزينة لمدة عامين، وهي الأعلى سيادياً في العالم. وقد وجد الاتحاد الأوروبي نفسه مشلولاً في مواجهة الأزمة اليونانية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه كان يحاول التوصل إلى تسوية مقبولة بين إظهار التضامن وتجنب المخاطر المعنوية. ومع مشاركة صندوق النقد الدولي في خطط الإنقاذ، والتفكير في دعم إضافي بقيمة 10 مليارات يورو، فمن المرجح أن يكون هناك ما يكفي من المرونة للسيطرة على الوضع في اليونان ولو بشكل مؤقت. ومع ذلك، فالأدهى والأمر، هو عدم وجود آلية حالية رسمية للتعامل مع احتمالية انتقال العدوى إلى الدول الأخرى في منطقة اليورو. فالفشل في إيقاف الأزمة اليونانية من خلال الجمع بين الدعم المالي المحكوم بشروط مشددة للغاية، وتدابير التقشف الصارمة، يثير الخطر المحتمل في منطقة اليورو.
وقد يكون إخلاء سبيل اليونان مقبولاً كحل أخير، إلا أنه ليس من الواضح أن تتوقف الأزمة هنا، حتى وإن لم يكن الوضع في أي مكان آخر بنفس الأهمية. فتكاليف الإقراض المتزايدة دفعت الحكومة البرتغالية إلى الإسراع في التقشف والذي كان في الأصل مخططاً له في العام 2011م ولدى الحكومات الأوروبية كل المبررات للتأكد من سير البرتغال وإسبانيا على نهج إيرلندا في مجال التماسك المالي. وهناك بعض الأمل من ذلك، نظراً لتصنيف البرتغال من قبل وكالة «ستاندرد اند بورز» الذي توقف عند A- حتى بعد التخفيض الأخير. وإذا فشلت هذه الجهود، فقد لا يكون هناك ما يكفي من الاستعداد السياسي والمالي للتعامل مع السيناريوهات المشابهة لليونان في إسبانيا والبرتغال وربما أماكن أخرى.
كبير الاقتصاديين - الأهلي كابيتال