هل يمتلك مجتمعنا ثقافة طوارئ؟
هذا سؤال مهم ينبغي التركيز عليه، لأنه في نظري غائب من أجندة المواطن لعدم إدراكه لأهمية ذلك من ناحية ولعدم اكتراث المؤسسات المعنية أن تحقق مثل
هذه الثقافة المهمة في المجتمع، أو لإخفاقها في ذلك.
وثقافة الطوارئ هي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن والسلامة في المجتمع، وهي ثقافة يجب أن تبدأ من المدرسة، وتمتد للأسرة وتنتهي في كل أرجاء المجتمع.. بمختلف أصعدته السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية والصحية والاجتماعية.. وهي ثقافة أساسية تُبنى في الإنسان منذ الصغر تهدف إلى وعي ومعرفة وسلوكيات الطوارئ من أجل إنقاذ الأرواح وحفظ الممتلكات..
ثقافة الطوارئ بمفهومها الشامل يجب أن تتأسس في مجتمعنا بشكل كامل، ويجب أن يدركها ويحسن التصرف بها كل مواطن ومقيم في بلادنا، لأنها السبيل الوحيد لمواجهة الكوارث الطبيعية والبشرية، ومواجهة المواقف التي قد يضطر المواطن أن يقع فيها سواء في المنزل أو العمل أو الطريق أو في أي مكان يتواجد به.. ثقافة الطوارئ يجب أن تكون جزءاً من منظومة المعرفة والسلوكيات التي يحيط بها الناس، وتساعدهم على التعامل مع المواقف الصعبة والحالات الطارئة..
المشكلة التي نعاني منها في معظمنا هي أننا لا نعرف كيف نتصرف، ولا نستوعب عمل وإجراءات الحالات الطارئة التي نضطر إليها وتجبرنا الظروف على مواجهتها.. وتنعكس عدم المعرفة وكيفية التعامل مع هكذا مواقف إلى أن نتجمد في مواقعنا دون حراك، أو أن نتصرف بطريقة خاطئة.. ونتيجة لذلك نفقد الكثير من الأنفس وأحياناً أرواحا ممن يحيط بنا في المنزل أو المدرسة أو بيئة العلم، ونخسر الكثير من الممتلكات العامة والخاصة بسبب سوء التصرف..
هناك مؤسسات كثيرة في المجتمع منها الحكومي ومنها الخاص تشترك في مسؤولية الإخفاق في بناء ثقافة الطوارئ في مجتمعنا.. والمديرية العامة للدفاع المدني ليست إلا رأس الجليد في هذه المنظومة المتكاملة من المؤسسات المعنية، رغم أن مديرية الدفاع المدني هي في صدارة الجهات المعنية بمثل هذا الموضوع المهم. ولربما من تدرج مسؤولياتها أن تتابع الجهات الأخرى، ولكن في ظني الشخصي أن الجهود التي تقوم بها المديرية العامة لا تزال تقف في مكانها، وتحتاج إلى جهود إضافية جديدة. ولربما نحتاج إلى حملة وطنية شاملة تعنى بنشر ثقافة الطوارئ في المجتمع.. ويجب أن تكون الحملة غير تلك الحملات التي عاصرناها خلال السنوات الماضية سواء من الدفاع المدني أو من غيره من الجهات، بل يجب أن تكون حملة طويلة الأمد لتمتد لخمس أو عشر سنوات على الأقل وتشترك فيها جميع الجهات ذات العلاقة..
الحملة الوطنية التي أتمنى أن تتم، يجب أن تكون تحت إشراف علمي متمكن، ومدعومة من الدولة والقطاع الخاص، ولكن دعم الدولة مهم جداً. ونحن نعرف أن دعم القطاع الخاص عادة ما يكون مرتبطاً بشخصية الراعي، ويكون الدعم محدوداً، ولهذا تأتي تلك الحملات مفصلة على قيمة الدعم الذي يأتي عادة في حدود ثلاثة أو أربعة ملايين على الأكثر.. والمطلوب أن تكون هذه الحملة تحت رعاية الدولة وتكون باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويخصص لها مبالغ مالية كبيرة.. إضافة إلى إشراك القطاع الخاص في دعمها.. وتكون وطنية رسمية تشترك فيها جميع الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، لأن هدف الحملة يجب أن يكون واضحاً، وهو تأسيس ورفع ثقافة الطوارئ في مجتمعنا بحيث يكون المجتمع والأفراد على أهبة الاستعداد لأي حالة طوارئ قد يواجهها الفرد أو يواجهها المجتمع..
ولا شك أن وزارة التربية والتعليم ومؤسسات التعليم العالي تأتي في مقدمة هذه الجهات المعنية، لأن تحت إشرافها أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة، وإذا استطعنا أن ننجح في بناء مثل هذه الثقافة فسيمثل هذا مشهداً جديداً في وجه المجتمع السعودي.. ولكن جميع الجهات الأخرى التي تزخر بأعداد كبيرة من الموظفين في القطاع العام والخاص هي معنية كذلك أن تبادر في الاشتراك والمساهمة في هذه الحملة الوطنية..
وللتوضيح فقط عن محتويات الحملة، فيجب أن تنصب على كيفية التعامل مع حالات الإسعاف والطوارئ في أي مكان.. في المنزل والعمل والطريق وفي بيئات مختلفة أخرى.. كما يجب أن يكون في هذه الحملة صفحات عن الإسعاف والطوارئ على جميع المواقع الإلكترونية للجهات العامة والخاصة، توضح فيها كيفية العمل والتصرف في حالات طارئة. كما يجب أن نؤسس لموقع إلكتروني رئيس وضخم بعدد من اللغات حتى يمكن أن ننشر ثقافة الطوارئ لدى الجاليات غير العربية في مجتمعنا. ويكون هذا الموقع هو الموقع الذي نتجه إليه دائماً في أي وقت وفي أي مكان عند أي حالة طوارئ نواجهها.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa