لم تعد الازدواجية في العمل، أو التنازع على المهام والصلاحيات مقتصرة على الجهاز الحكومي الواحد ذي المسؤليات المحددة، بل نجد التداخل بين مؤسسات مختلفة، وهو بصورة أو بأخرى يؤثر على سير العمل، ويفوّت على المواطن، بل على الدولة بشكل عام الكثير من المصالح والمنافع، وربما عطّل الخطط التنموية، ولعب دوراً كبيراً في تأخيرها، ولا تستغرب إذا كان هناك قضايا دفنت، أو صودرت حقوق أصحابها، أو ضاعت بسبب ذلك، ولا يدخل تحت هذا الموضوع أو هذا الطرح هنا الصراع، أو التنافس الذي قد يقع بين القوى العاملة، إذ من شأن ذلك الاختلاف أو التباين رفع درجة الأداء بين الأفراد المفضي في صورة نهائية إلى الحماسة المحمودة بين فرق العمل، ودفعها إلى بذل المزيد من العطاء والإبداع.
قد يوجد بين وزارة العمل والجوازات تداخل في المسؤليات، وبين هيئة الرقابة، وديوان المراقبة بعض الازدواجية، وبين وزارة الشؤون الإسلامية، ووزارة الحج ما يشبه ذلك، وبين مجلس القضاء ووزارة العدل وهو محك الحديث أكثر وأكثر. وفي اعتقادي أن ذلك يعود لسبب رئيسي ألا وهو أن تشكيل الوزارات أو الهيئات، ووضع لوائحها الداخلية، وأطرها التنظيمية أعدّ في فترات زمنية ليست متقاربة، أو ليس خلال عقد واحد، وهو ما يترتب عليه بطبيعة الحال تبعاً للتباعد اختلاف الأشخاص العاملين على هذه اللوائح، أو نسيان بعض موادها،ولو تأملنا في تاريخ إنشاء (مجلس القضاء الأعلى) نجد أنه لم يتزامن مع تاريخ إنشاء (وزارة العدل)، وقد يكون ذلك على سلبيته في الحاضر طبيعياً في فترة تكوين وتأسيس الدولة العصرية، وتنظيم شؤونها ومؤسساتها الداخلية، وربما تمت الاستعانة بخبرات أجنبية يفوت عليها بعض الأسس. أما في ظل التوسع الملموس في المهام، والمستجدات التي فرضتها طبيعة العلاقات الدولية المتشابكة، والمصالح المشتركة بين الدول، والتقارب الثقافي والحضاري، إلى جانب ذلك التعقيد الذي يبدو في سير العمل والحياة بشكل عام. في ظل هذه الظروف بدت الاشكالات والتناقضات التي أسهمت عوامل كثيرة في تبلورها للعيان، ولم تكن مجرد أحاديث مجالس أو منتديات يكفل الزمن زوالها. كم سمعنا من التصاريح المتناقضة عن الاحتياج الحقيقي لسلك القضاء من القضاة، وكم تباينت وجهات النظر في المؤسستين حول دوام القضاة....
ربما فات على الكثير أنه في سنوات مضت، وبالتحديد أواخر حياة الملك (عبد العزيز)، وأوائل حكم الملك (سعود) -رحمهما الله- تولى رئيس القضاء مهام (العدل) إلى جانب عمله، والعكس حدث، وهذا يعني تقارب المهام وتشابهها، لكن في ظل التفريعات الكثيرة في عصرنا الحاضر استعصى التواصل والاتصال بالصورة التي يرغب فيها المواطن، ويتطلع إليها المجتمع لحل كثير من مشاكله وقضاياه.
لا يخفى على الجميع المشروع العملاق الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رجل الإصلاح الأول، حين وضع أمام هاجسه (تطوير القضاء)، وهي في الحقيقة خطوة تنم عن استشعاره الكبير، ووعيه العميق لأهمية تطوير وبناء مثل هذه المؤسسات. السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيطال التطوير كلتا المؤسستين؟ وهل ستنتهي تلك الازدواجيات أمام هذا المشروع؟
ذلك هو المؤمل.
dr_alawees@hotmail.com