جاء يدفع بوالده على كرسي متحرك وقد قُطعت إحدى رجليه، ويحمل تقريراً طبياً يقول إن والده أيضاً يقوم بغسيل كلوي أكثر من مرة في الأسبوع، وكذلك والدته تعاني نفس المرض (الفشل الكلوي)، وهذا ابنهما الذي عُيِّن على وظيفة إدارية بسيطة في أقصى شمال المملكة، وهما يعيشان في الرياض، وفي أمسّ الحاجة إلى وجوده بجوارهما؛ ليخفف من آلامهما ويقضي حوائجهما.. جاء بوالده بوصفه شاهدا حيا على وضع إنساني حقيقي يستحق عطف ومواساة أي إنسان مهما كان هذا الإنسان. دلف مكتب كبير أو أحد كبار المسؤولين في الإدارة الحكومية التي يتبع لها بالمقر الرئيس بالرياض مستعطفاً وراغباً نقله إلى جوار والديه؛ نظراً إلى حالتهما الصحية المتردية، خاصة أنه يعمل على وظيفة بسيطة لا تتأثر بها الإدارة بأي شكل من الأشكال. جاء وهو موقن بتجاوب رئيسه إذا عرف حقيقة وضعه. سلم وتمتم بكلمات دعاء بين يدَيْ حاجته، موضحاً أن هذا والده، وهذه التقارير الطبية لوالده ووالدته، وأنه يرغب في أن يكون بجوارهما. وقبل أن ينطق والده بكلمة فاجأه هذا المسؤول، الذي نزع الله الرحمة من قلبه، بكلمة جافة وصريحة ولا تحتمل التأويل (يجب عليك أن تنسى مسألة نقلك من سكاكا إلى الرياض، ولا تهمني ظروفك!!!).. دهش الولد وصدم الوالد واغرورقت عيناه من الدمع..!!
واقع حقيقي لمواطن سعودي جاء نصيب تعيينه في مدينة سكاكا وهو من سكان الرياض وقائم على والديه اللذين يعانيان - كما أسلفت - أمراضاً مزمنة، وهو يعمل في جهة حكومية تُعنى بإنصاف المظلومين والمقهورين، ومع ذلك كان الظلم منه أقرب لهذا الموظف من شراك نعله، ولم يشفع له وضع والديه المحزن..!! أقول (ظلم)؛ نظراً إلى هذا الوضع الإنساني المؤلم لوالد هذا الموظف، وفي مثل هذه الحالة فإن الظلم موجه للوالدين لا للولد (الموظف)؛ فقد ساهم هذا المسؤول بتصرفه غير المسؤول بظلم وقهر وحزن هذين الأبوين.
الذي أعرفه، ويعرفه كل عاقل، أن الدولة بأجهزتها كافة تسعى لخدمة المواطن وراحته، وتبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس، وما هذه الطرق والمشافي والمدارس والصروح الاقتصادية والعلمية وغيرها إلا لخدمة المواطن ورفاهيته، ويأتي مثل هذا المسؤول ليحطم قلوبا ويفتت أكبادا، ويشتت شملا..!!
ليت شعري هل يعي هذا المسؤول ماذا تعني حرقة قلبَيْ والد ووالدة، أعياهما المرض، من فراق فلذة كبدهما البار بهما الحريص عليهما وهما في أشد الحاجة إلى بره..؟!
أكتب هذه الحقيقة التي آمل أن يقرأها هذا المسؤول ويراجع نفسه ويتذكر أن الراحمين يرحمهم الله، كما أكتب عن الكثير من الحالات الإنسانية التي نحن في أمسّ الحاجة إلى النظر في وضع أصحابها، وإن كان صوتهم لم يصلنا لنوصله إليكم أيها المعتلون كراسي خدمة المواطن وأنتم أبعد ما تكونون عن هذا الشرف، مذكّراً بأن ولي الأمر - حفظه الله - قالها أكثر من مرة: إن المواطن وراحته هو الهدف وهو الغاية، وإن على كل مسؤول أن يقوم بخدمة المواطن وتذليل كل الصعاب من أجله.
almajd858@hotmail.com