تفاءل أبناء الوطن خيراً حينما حدد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة موقع الحلقة المفقودة في الخارطة الإعلامية العربية، التي ضاعت معالمها وفقدت تأثيرها؛ نظراً لكونها أصبحت في مجملها نسخة ممسوخة من النسخة الغربية دون ملامح خاصة أو أهداف إيجابية بعيدة.
حيث أوضح معاليه في المؤتمر العربي الدولي (للأمن الثقافي العربي) الذي عقد مؤخراً في بيروت أن الإعلام العربي في كثير من فضائياته قد خرج عن المفهوم الحقيقي للتنمية الثقافية التي يحتاج إليها الفرد في عالمنا العربي، وبذلك يكون قد عاد إلى أحضان الاستعمار الغربي مرة أخرى عبر استنساخه للنموذج الغربي في التنمية، متوهماً أنه النموذج الأمثل للتطور.
ووضع الوزير يده على مواضع الوجع في إعلامنا العربي المعاصر، حيث إن المجتمعات العربية الآن في أمسّ الحاجة إلى ثقافة تواكب طموحاتها وتعبر عن آلامها وآمالها، ولكنها فوجئت بأن الغث الإعلامي العربي المعاصر أكثر من السمين؛ حيث نلاحظ جميعنا أن تلك القنوات قد انحرف مسارها بشكل غريب، فهل إذا كانت تدّعي أنها تريد نهضة المرأة العربية أن تخرج لنا كثيراً من تلك النساء وهن أقرب إلى الراقصات المستهترات منهن إلى مذيعات محترمات يردن توعية المشاهد بدلاً من أن يردن إغراءه، حتى هدمت تلك الغانيات المتبرجات البيوت بدلاً من أن تصلحها، بل وأصبحن قدوة سيئة للفتيات الصغيرات.
إن من ينظر إلى معظم فضائياتنا العربية يصدم بأنها تبحث عن الكسب السريع المتورم، ولو كان عن طريق ضياع الأمة وتغييبها وطمس هويتها، فقد اختارت تلك القنوات الطريق السلبي في تقليد الغرب، ولم تقلدهم في نهضتهم التنموية والنووية والاكتشافية، حتى صار الشرق نسخة ممسوخة مشوهة عن الغرب تقلده التقليد الأعمى التأخري وليس التقدمي، وأضحى المشاهد العربي ضحية كبيرة لمالكي الفضائيات المتاجرين بها.
ومهما اعترض المعترضون يظل الشرق شرقا والغرب غربا، أي هما مختلفان في كل شيء دينا ودنيا، ولاسيما أن هناك دولا غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت تغذي مشاعر التحيز العنصري ضد المسلمين وتصمهم بالإرهاب والعدوانية، بينما هي تؤيد بلا حدود الدولة العنصرية اليهودية التي قامت على أساس عرقي متطرف واغتصاب سياسي وعسكري وثقافي وفكري.
إن العولمة جعلت العالم في شتى مجالاته بلا طعم ولا لون، فلم يعد لكل مكان طابعه الخاص الذي يميزه ويشوق إليه، وهذا ما يؤدي إلى انكفاء بعض الأفراد أو الجماعات على ذاتهم وعدم قدرتهم الداخلية أو الخارجية على التأقلم مع هذه المتغيرات السريعة الممجوجة التي باتت تفرض نفسها عليهم عن طريق المنتفعين والمنتفعات، وبئس الانتفاع الشخصي الذي هو أشبه بمنتفعي تجارة الخمر والمخدرات، أو الأسلحة الفتاكة المدمرة.
إن أي إنسان متعقل ينادي مع وزير الإعلام السعودي في بُعد نظرته وعمقها نحو الإعلام الذي أصبح هو الشريك المنزلي لكل أسرة معاصرة، بأن الإنسان العربي والمسلم أصبح يريد وبإلحاح ثقافة وإعلاما يواكبان طموحاته ويعبران عن آلامه وآماله، وعن شخصيته الذاتية؛ فلا يرضى أن تندمج اندماجا مذلا في ذوات الآخرين؛ لذا فالمطلوب من هذه الوسيلة العظيمة أن تكون مدعاة خير لا ناشرة شرور، حيث تبني الذات الإنسانية وتشارك في اتخاذ القرار الصائب وتشيع قيم الحوار الحر الراقي بين الجميع.
g.al.alshaikh12@gmail.com