في أواخر الثمانينات الميلادية زار الكويت الشاعر الداغستاني العظيم رسول حمزاتوف بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وقد احتفت الأوساط الثقافية به احتفاءً لا مثيل له لاسيما أنه من أساطين الشعر العالمي في القرن الماضي وصاحب رائعته الشهيرة (داغستان بلدي)، وحينما سنحت الفرصة والتقيت به في منزل الصديق الراحل ماجد المضيان زوج الشاعرة والقاصة الرائعة فوزية شويش السالم وقام أهل الدعوة بتعريف الضيف بي أمسك رسول يدي طويلاً وقال بلغته الروسية -حسب الترجمة- إنني تمنيت أن ألقاك كثيراً حينما قرأت ديوانك (الغناء في صحراء الألم) الذي ترجمه صديقنا (شاجال) وذلك لغرابة الأجواء الصحراوية فيه. ولذلك قبل أن أغادر الكويت أتمنى أن أزور (صحراءك العزيزية) فقلت له على الرحب والسعة أيها الشاعر العظيم.
بالطبع في تلك الليلة استمعنا إليه وهو يهدر مثل رعد قديم أو ك(هرش) من فحول الجمال وهو يلقي علينا من شعره المهول، وحينما انفض السامر تواعدت معه أن أريه (صحرائي العزيزة) وبالفعل في اليوم التالي دعوت بعض الشعراء للمخيم الصحراوي على شرف حمزاتوف ولكنني قبل أن أتوجه للبر مررت بالصديق الشاعر المصري (سلامة غانم) الذي يجيد الروسية جيداً واصطحبنا معنا الصديق الراحل الشاعر العذب فايق عبدالجليل، ثم عرجنا على الفندق الذي يسكن فيه شاعرنا الكبير وأخذناه معنا إلى الصحراء وفي الطريق إلى المخيم، التفت حمزاتوف نحو المرحوم فايق وقال له: متى أصدرت آخر دواوينك فقال له فايق: قبل ثلاث سنوات وهنا قال له رسول (يجب أن تحاكم على التقصير الإبداعي) وقبل أن نعلق على هذا الاتهام التفت إلي رأساً وسألني وأنت يا صديق سليمانوف؟ فقلت له قبل سبع سنوات. وهنا التفت لي بغضب وهو يحملق بي ك(تنين): يا للهول يجب أن تحاكم بتهمة البطالة الإبداعية! ثم أخذ يرطن علينا بالروسية -كالجمل الهرم: هذا لا يجوز هذه خيانة للوطن، يجب أن تحاكما على الفور وهنا قلت لفائق (الظاهر أن ضيفنا مثل طير ابن برمان) فضحك فايق بضحكته المجلجلة العتيدة التي يعرفها جيداً كل من التقاه مما أثار استغراب هذا (الروسي الكهل) وهو يحملق منذهلاً بنا. وهنا اتجه إلى المترجم -الصديق سلامة- وسأله بحنق هل يسخران مني، أنا رسول حمزاتوف لست مبعثاً للسخرية، أرجو أن تعيدوني إلى الفندق. وهنا قلت لسلامة: يا سلامة، أرجو ترجمة حكاية طير ابن برمان له حرفياً.
وبعد أن ترجمها سلامة، ضحك حمزاتوف كثيراً وكأنه لم يضحك في حياته من قبل، وأبدى إعجاباً كبيراً بهذا المثل، وقال ما دمتم قدمتم لي هذه الحكمة العربية فهذه وحدها تكفي عن إصدار دواوين لا قيمة لها، ثم واصل الضحك كالحصان العجوز.
تذكرت هذه الحادثة الجميلة وأنا أستلم بالأمس ديواني السادس - (البرق فوق البردويل) الذي صدر عن نادي الجوف الأدبي بعد (14) عاماً من إصدار ديواني الخامس الذي صدر في 1996م. مما يجعلني أتساءل هنا. ماذا لو سمع رسول حمزاتوف بهذا الفارق الزمني الكبير؟ أعتقد أنه سيقول لي. إنك تستحق الإعدام. وبلا محاكمة أيضاً!!