Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/04/2010 G Issue 13725
الثلاثاء 13 جمادى الأول 1431   العدد  13725
 
شيء من
الأمير بندر بن سعود مثالاً!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

سمو الأمير بندر بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز يعمل في الهيئة الوطنية للحياة الفطرية أميناً عاماً لها. والهيئة تعمل على الحفاظ على الحياة الفطرية والعناية بها، وتجذير ثقافة الاهتمام بالبيئة ورعاية مكوناتها، سواء من خلال الردع (الحماية)، أو من خلال التثقيف (التوعية). ومثل هذه المؤسسات جديدة على تراثنا تماماً؛ فلم يكن لها في ثقافتنا سابقة، اللهم إلا بعض العبارات والأمثال والأقوال (النادرة) والمتناثرة في غياهب التراث، حتى لا تكاد ترى.في لقاء أجراه سموه مع جريدة الوطن، ونُشر يوم السبت الماضي، جاء فيه: (اعترف الأمير بندر بن سعود، أن جهازه كان يعتبر (مؤسسة فاسدة)، وأن أكبر إنجاز يفخر به، هو النجاح في القضاء على 85% من الفساد في الهيئة؛ ليعتبر بذلك أول مسؤول حكومي يعترف بفساد جهازه!). كما أشار الأمير إلى نقطة في منتهى الجرأة، فحواها: (إن الفساد الذي كان يعج به جهازه، تمثل في أمور عدة، منها، الترقيات غير العادلة بالهيئة، وانتدابات (مزيفة) لبعض الموظفين، تصل في بعض الأحيان لمدة 63 يوماً، دون أن يقوموا بزيارة ميدانية واحدة، أو يغادروا أماكنهم، إضافة إلى بعثات ودورات وهمية)!!. وأضاف: (إن الفساد لم يقتصر على ذلك، بل شمل المشتريات، والتعاقدات، والتي حرص على القضاء عليها بشكل أساسي). وروى كما جاء بالنص في جريدة الوطن: (أنه كشف بجهد شخصي حالات تلاعب، منها أن الهيئة طلبت نحو 200 جهاز اتصالات، وسُجل في السندات على أن قيمة الجهاز الواحد هي 17 ألف ريال، وبعد إرسال سائقه الخاص للتأكد من السعر الفعلي في السوق، اكتشف أن قيمة الجهاز لا تتجاوز الـ8000 ريال!)؛ أي أن السرقة تجاوزت 110% من القيمة الأصلية للجهاز، (وعليك الحساب)!.. ثم قال بارتياح: (إن الهيئة نظيفة في الوقت الحالي من جميع الشوائب السابقة). وبيّن: (أن من الطرق التي اتبعها لمحاربة الفساد، هي التنويع والشفافية؛ لأن الاحتكار والكتمان بيئتان ينشط فيهما الفساد وينتعش).. لله درُ أبيك!

لم نتعود على ثقافة نقد الذات، ولا تعرف ثقافتنا إلا المكابرة، والمغالطة، والمجاملة، والإصرار على أن كل شيء (على ما يرام). أدبياتنا لا تخرج عن ثلاث توجهات: إما (الإشادة) الممجوجة، التي يُزكم النفاقُ أنوف سامعيها، كقصائد المدح المُبتذل مثلاً، أو (الهجاء) والشتم والقدح وإظهار العيوب والتشهير بها، واعتبارها عيوباً أصلية جُبلَ عليها صاحبها، أو (الرثاء) بعد الموت الذي غالباً ما يكون بالإغراق في ذكر المحاسن وتعدادها، وتضخيمها، وتجاوز في ذلك كل المعايير الواقعية والموضوعية، بل والعقلية أحياناً.

أن تنتقد بموضوعية، فتلك ثقافة لا علاقة لنا بها، بل يأباها الإنسان العربي في الغالب؛ لأنها جديدة عليه، وعلى موروثه؛ فهي - في رأي البعض، و(التقليديين) منهم خصوصاً - تمس (الهيبة)، وتجرح الكبرياء، وتنال من الأنَفَة، وتقلل من قيمة (الأنا)، غير أن التحضر والمعاصرة والعلم والاحتكاك بالثقافات المتفوقة، فضلاً عن (الثقة بالنفس)، غيّرت كثيراً من هذه الثقافة الموروثة والبائسة التي كانت بحق من أسباب تخلفنا.

يجب أن يتعقب سموه هذه التجاوزات، وأن يحاسب مرتكبيها، وأن يُشهر بهم؛ فالسكوت على مثل هذه التجاوزات، و(مجاملة) مَن خانوا أماناتهم، واستغلوا مناصبهم في الإثراء غير المشروع، إحدى عللنا التي عانينا منها، ولا نزال، كثيراً؛ فلماذا السكوت والسرقات والتجاوزات بهذا الوضوح؟

بقي أن أقول: الأمير بندر بن سعود بن محمد مثال رائع ومتحضر للأمراء الشباب.

إلى اللقاء.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد