Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/04/2010 G Issue 13725
الثلاثاء 13 جمادى الأول 1431   العدد  13725
 

هذرلوجيا
تراهم يخرّعونا
سليمان الفليح

 

على طريقة (جاك الذيب جاك وليده) لم يزل الغرب (يخرّع) الدول النامية بالأمراض الفتّاكة والمستعصية، سواء أكانت هذه الأمراض حقيقية أو وهمية أو (مصطنعة)، أما الأمراض الحقيقية الفتّاكة في الزمن الغابر، فهي الطاعون الذي يقضي على المجتمعات إذا ما حلّ بها، وكذلك مثيله الجدري الذي إذا ما حلّ بقوم استشرى بينهم كما تستشري النار بالهشيم، أما إذا أصيب به الفرد دون المجتمع الذي يعيش في وسطه، فيُعزل هذا الفرد عزلاً تاماً ويُبعد عن القرية أو المضارب ولا يزوره ويزوده بالماء والطعام إلاّ من كان قد (نجا) من هذا المرض بالتعافي، ولعل القصص المؤلمة التي تحفل بها الأشعار الحزينة التي لم نزل نردّدها حتى اليوم، تؤكد حقيقة هذا العزل، بل والتخلِّي التام عن المجدور مهما كان موقعه الاجتماعي من قومه، وللدلالة على ذلك كلنا يذكر قصة الشيخ عبد الله الفاضل الملحم والذي تركه قومه لكي لا تنتقل العدوى إلى سائر أفراد القبيلة بعد أن يئسوا من شفائه وارتحلوا عنه، ولم يبق لديه إلاّ كلبه (شير) والذي يُعتبر في الأدب الشعبي أشهر من (لايكا) أول كلبة تصعد للفضاء في زمننا هذا، ولعل التصاعد الدراماتيكي لقصة ابن ملحم هو أنه أصبح يهذي من وطأة المرض، ويشكو إلى كلبه الأمين مما نتج عن هذا الهذيان الشعري ما عُرف لاحقاً بشعر (العتاب) أو بالأصح غناء (العتابا) الذي أصبح أحد أشكال الفن العربي وألحانه أيضاً كذلك كلنا نذكر قصة حجاج (الرّس) الذين أصيب أحدهم بهذا الداء وقرّر كبير القافلة أن يُربط فوق جمله بشكل (متصالب) ويتركه لمواجهة ما سيكتبه الله له - سواء أكان نجاة أو موتاً - مما حدا بأحد رجال القافلة أن يقرر المكوث مع المجدور مهما كانت النتيجة، والذي قال بذلك قصيدة من أكثر قصائد الأدب الشعبي دراماتيكية حينما لام رئيس القافلة على هذه الفكرة أي (الصلب) بقوله:

(قل حيهلا يا شايبات المحاقيب

أقضّ من عندي جداد الاثاري

لـ(كن) لسب ذيولهن بالعراقيب

رقاصه تبي بزينه تماري

خوينا ما نصلبه بالمصاليب

ولا يشتكي منا دروب العزاري)

أقول إنّ تلك الأمراض القديمة الفتّاكة قضى عليها العلم والطب الحديث والحمد لله، ولكننا إلى الآن لم نزل مرعوبين من غزو الأمراض الفتّاكة والتي كلما نسيناها قام الغرب ب(تخريعنا) من جديد. ولعلنا نذكر أنه في قرننا المنصرم خرعنا بالكوليرا، الزهري، السفلس، الايدز، جنون البقر، حمى الوادي المتصدع، جنون الدجاج، عفواً انفلونزا الطيور ثم انفلونزا الخنازير (على فكره وين راح؟!)، ثم الجمرة الخبيثة، وغيرها وغيرها من (مخرعات) المخترعات (!!). أما المخرعات البيئية فلم نكد ننسى ثقب الأوزون حتى جاؤونا اليوم بغبار البركان الآيسلندي الذي يقولون إنه سيشل حركة المواصلات الدولية!.

حقيقة لقد حيّرنا الغرب كثيراً و(خرعنا) بما فيه الكفاية، كل ذلك ل(شيء في نفس يعقوب)، ويعقوب الغربي أو بالأصح (جاكوب) يصنع لنا (الوهم) لنشتري منه علاج (الوهم) وهو - أي جاكوب - أمهر من يزرع الريح ليحصد العاصفة، وما أكثر عواصف هذا الغرب، ولكنها عواصف من أكاذيب لا يصدقها إلاّ نحن!!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد