فاصلة:
(في زمن التقنية سقطت الخصوصية)
حكمة عالمية
كيف سمحنا للهاتف الجوال أن يحتل هذه المساحة الشاسعة في حياتنا؟
لقد وصلت نسبة مستخدمي الهاتف الجوال في السعودية إلى 177% في عام 2009، بزيادة نسبتها 7.5% عن العام السابق، هل كنا بحاجة الجوال كأداة للتواصل لأننا بالفعل فقدنا أدوات الحوار الطبيعية في أسرنا ومع مَن حولنا؟
ولماذا بدأ الجوال يسطو على حياتنا الاجتماعية فيفسد أجمل ما فيها؟
كلنا يعرف أخطار الهاتف الجوال على الأطفال خاصة ومع ذلك فأطفالنا في كل مكان معهم هواتف الجوال وأحدث موديلاته. وكلنا يعرف أن الجوال خطر على السمع ومع ذلك نطيل المكالمات بينما الهاتف الثابت على مقربة منا رغم أن زيادة استخدام الهاتف النقّال يصاحبها أعراض صعبة كالإجهاد والصداع والدوار واضطراب النوم.
كما أن هناك علاقة مباشرة بين استخدام الجوال والحوادث المرورية، فاستخدام الجوال يعزّز وقوع الحادث بنسبة 25 في المائة. وأنه على الرغم من عدم وجود إحصائية تبيّن عدد الحوادث المرورية بسبب الجوال إلا أن استخدام سائق السيارة للجوال يؤثّر على يقظة السائق ويشتت تركيزه على القيادة، ويتسبب في تأخير استخدام الكوابح في اللحظة المناسبة.
أما رسائل الجوال فقد صارت جزءًا من ثقافة التواصل في حياتنا الاجتماعية اليومية، والمناسبات الخاصة كالأعراس، والمناسبات العامة كالأعياد. فهي حاضرة بقوة في يوميات المجتمع. وهي طاغية ومقتحمة لخصوصياتنا. رسائل الجوال ليست مجرد عبارات نتناقلها، بل هي نصوص تحمل ثقافة المجتمع ووعيه وخبراته وعاداته وتقاليده. ناهيكم عن الأخطاء الإملائية وعن اللغة الجديدة التي يستعملها الشباب في مراسلاتهم وركاكة التعبير، وهذه الأخطاء تقدم لك ثقافة هذا المجتمع وموقفه من لغته، حيث لا يهتم بالحفاظ عليها.
والواقع مثلما قال المفكر الإسلامي ابن حزم «إن الأمم إذا ذهب سلطانها فإن أول ما يظهر ذلك على لغتها».
ورغم كل أخطار الجوال السابقة إلا أنه من الخطير حقاً تأثيره الاجتماعي ولكم أن تتخيلوا أن إحدى الصحف نشرت خبراً عن عريس في إحدى مناطق المملكة تفاجأ بالرد من أهل الخطيبة بعدم إقامة حفلة عقد القران المتفق عليها مسبقاً وذلك لتلقي والد العروس رسالة على جواله من رقم مجهول دون أن يعرف من صاحب الرقم بأن الشاب قد حكم عليه بالسجن قبل عام وينتظر العريس الرد النهائي بعد تدخل أهل الخير ويتساءل الشاب: هل ستظل رسائل الجوال عقبةً في طريقه للزواج أم سيقتنع والدها وتكتمل فرحته؟
للأسف فالقضية ليست مجرد رسالة جوال؛ إنها ثقافة مجتمع يتكئ على الظاهر دون بحث عن المضمون، ولا يعرف أن التقنية يجب أن تموت إذا حاولت قتل الإنسان.
nahedsb@hotmail.com