Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/04/2010 G Issue 13725
الثلاثاء 13 جمادى الأول 1431   العدد  13725
 
مجداف
(منة المولى علينا ولا منة أحد)
فضل بن سعد البوعينين

 

بعد حرب الخليج الثانية عانت المملكة بسبب نفقات الحرب المكلفة، وتضحيتها باحتياطياتها المالية من أجل حماية المنطقة برمتها من كوارث ربما كانت أشد وأنكى من احتلال العراق للكويت. لم تكن أسعار النفط في أحسن حالاتها، فقد لامست العشرة دولارات بحلول العام 1998 ما أدى إلى تفاقم المشكلة؛ فتقلصت النفقات، وارتفع العجز، وزاد الدين الداخلي.

وجدت المملكة نفسها في مواجهة مباشرة مع الأزمة، وتقلبات الظروف تبحث عن حلول عاجلة تساعدها في مواصلة الإنفاق على خطط التنمية وتلبية متطلبات مواطنيها. كانت الخيارات محدودة، إلا أن ذلك لم يَحُل دون استكمال بعض خطط التنمية، وعمارة الحرمين الشريفين التي لم تتوقف منذ بدأت، بغض النظر عن ظروف المملكة المالية.

تجربة قاسية أعادت تفسير معنى التضحية والوفاء، والجزاء والإحسان، وكشف الله فيها سريرة من كنا نعتقد بوفائهم من بعض الأخوة و أبناء الوطن ممن استأثروا بخير هذه البلاد وثقة ولاة أمرها، فقلبوا لنا ظهر المجن، وتوقعوا ما هو أشد للبلاد والعباد، (حسداً من عند أنفسهم)؛ تجربة قاسية يُفترض أن تكون قد أكسبتنا دروسا لا تُنسى في التعامل الحذق مع المتغيرات الدولية، والطفرات المالية، والتركيز على كفاءة خطط التنمية، والاستغلال الأمثل للموارد المالية التي قد لا تتكرر في قادم الأعوام!.

أعادتني رائعة الأديب (ساري) إلى ظروف ما بعد حرب الخليج الثانية، وهزاتها الارتدادية، فاستعرت منها شطر البيت الأخير لأعنون به مقالتي. (منة المولى علينا ولا منة أحد... العذوق عذوقنا والحبل من ليفنا)؛ في أحلك الظروف، لم تقبل المملكة منة الآخرين، ولم تسعَ في استغلال مواقفها التاريخية لتحقيق مكاسب خاصة. توجهت الحكومة إلى الداخل، ورتبت أوضاعها المالية وفق إمكانياتها المتاحة، واستعانت بالمولى عز وجل المنان الكريم. منّ الله على هذه البلاد بالخير الوفير، وعوض ما أنفقته المملكة، فحوّل عجز ميزانيتها إلى فوائض مالية ضخمة أعادت بسببها بناء احتياطياتها المالية التي فاقت بأضعاف مضاعفة ما كان متوفرا لها قبل حرب الخليج. توسعت المملكة في خطط التنمية، وأصبحت ميزانية العام 2010 الأضخم في تاريخها، ولم تتوقف يوما عن مشاركة الآخرين فيما حباها الله من نعم. إنها البركة التي أرادها الله لهذه الأرض الطيبة، مُحتضنة الحرمين الشريفين؛ بركة الراعي المُحب لشعبه، والمنفق لإعمار الأرض، وتنمية الإنسان والمكان، في الداخل والخارج؛ بركة النوايا الطيبة، وأعمال البر، والإصلاح. البذل في سبيل الله، والتركيز على التنمية الداخلية، والمساهمة في تنمية الشعوب العربية والإسلامية، إغاثة الشعوب المنكوبة في الخارج، الإنفاق على اليتامى والمساكين، والتيسير على الرعية هو جزء من الإنفاق في سبيل الله، و مدعاة لحصول البركة، ونماء الموارد، قال تعالى: ?وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ? فهل هناك أعظم بركة ونماء في الدنيا والآخرة من الإنفاق في سبيل الله.

ويستمر العطاء والبذل، ودعم المواقف الخليجية الموحدة التي عبر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أرقى صورها، بزيارته الأخيرة إلى مملكة البحرين. لم تكن زيارة تاريخية فحسب بل كانت زيارة دعم ومؤازرة وتنمية وعطاء، ومودة وإخاء، ورسم للعلاقات الأخوية المميزة التي تؤكد على الوحدة والتكامل بين الدولتين. توجيه الملك عبد الله بن عبد العزيز، ببناء مدينة طبية تابعة لجامعة الخليج العربي في البحرين بمبلغ مليار ريال يؤكد على نهج المملكة الداعم للتنمية، ومواقفها الرائدة في خدمة الأمتين العربية والإسلامية، وهو النهج الذي لم تحد عنه منذ تأسيسها وحتى اليوم.

الاستثمار التنموي في مملكة البحرين هو امتداد للاستثمار في المملكة، فمع تطور العلاقات أصبح هناك شبه اندماج بين الدولتين على المستوى السياسي، الاقتصادي والاجتماعي. الاقتصاد البحريني بات مرتبطا ارتباطا وثيقا باقتصادنا الوطني، حيث تعتبر السعودية الشريك التجاري الأول لمملكة البحرين، في الوقت الذي تستأثر فيه الاستثمارات السعودية على النصيب الأكبر من سوق الاستثمار البحرينية. بلغت إجمالي الصادرات السعودية إلى البحرين نحو 35 مليار ريال في العام 2008 وهو رقم ضخم يدل على حجم العلاقة الاقتصادية. البحرين، هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تقبل تداول الريال في الأسواق إلى جانب الدينار البحريني، دون الحاجة إلى إجراء عمليات استبدال العملة من المؤسسات المصرفية، وهي الدولة التي تحتضن أعداد مهولة من الطلاب والطالبات السعوديين في مراحل التعليمي الجامعي، وهي الامتداد التجاري والمالي للمنطقة الشرقية، ورجال المال والأعمال فيها. أشجار التنمية التي غرسها الملك عبدالله في البحرين سيمتد ظلها، ويصل ثمرها أبناء الدولتين وإن كان غرسها على أرض البحرين.

أختم بما بدأت به، وأعود لرائعة (ساري) وقوله: (يا سلام الله علينا ملك شعب وبلد... نستضيف أمة محمد ونكرم ضيفنا) واستضافة أمة محمد، وتطوير الحرمين الشريفين، والإنفاق السخي، من مال الله، عليهما هو ما يحقق البركة والنماء في الدنيا والآخرة، وهو ما نحتسب عليه الأجر العظيم، ولعل الله سبحانه وتعالى بسط لهذه الدولة الثروات، وحفظ عليها أمنها واستقرارها نظير ما تقدمه من خير في خدمة الحرمين الشريفين، وحجاج بيت الله الحرام. عمارة الحرمين الشريفين، تنمية الوطن وفق أسس علمية حصيفة، تحقق الكفاءة والإنجاز، والرقابة المالية، وتنمية اقتصاد الفرد والمجتمع، والمساهمة في تنمية الشعوب الإسلامية والعربية وإغاثة الملهوف هي الضامن، بعد الله لحصول البركة، وتدفق الخيرات، فالله لا يقطع نعمة أنعمها على عبده، فأنعم هو بها على عباد الله، ولم يستأثر بها لنفسه.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد