Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/04/2010 G Issue 13725
الثلاثاء 13 جمادى الأول 1431   العدد  13725
 
مشروع إصلاح التأمين الصحي
د. رضا بن محمد خليل

 

أجرى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأمريكي باراك أوباما فور إجازة مشروع إصلاح نظام التأمين الصحي بالولايات المتحدة الأمريكية، هنأه خلاله على إجازة هذا

المشروع... ولا شك أن هذا الاتصال له دلالتان مهمتان؛ أولاهما الوجود السريع والفوري لخادم الحرمين الشريفين على الساحة الدولية ومتابعة الأحداث وتطورات ما يدور في العالم الخارجي، والثانية أهمية الحدث في حد ذاته.

بالنسبة للأولى.. فلا غرابة في ذلك فقد عودنا خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على وجوده في كل حدث يستحق ذلك.. وبصفة خاصة في كل المواقف الإنسانية.

أما عن النظام الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية والدور المؤثر لشركات التأمين ومشروع الرئيس أوباما، فالحديث فيه ذو شجون والقضية متشعبة وشائكة.. وتتضح معالمها وملامحها فيما يلي:

أولاً: الخدمات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر من الخدمات المتميزة والمتقدمة.. ولكن النظام الصحي الأمريكي أكثر أنظمة العالم الصحية تعقيداً وغموضاً؛ حيث إن النظام مؤسس على قوى السوق فمن يدفع أكثر يحصل على أعلى وأفضل المزايا الصحية.. وهناك فرق كبير بين مستوى الخدمات الصحية وبين النظام، فعند الحديث عن النظام نعني بذلك: شمولية وكفاءة وعدالة النظام والتغطية الشاملة لكل شرائح المجتمع.

ثانياً: يتكون النظام الصحي الأمريكي من نظام تأمين صحي حكومي يتم تغطية تكاليفه بنسبة 46% من الحكومة عن طريق نظامي ال «ميدي كير Medi-Care» (للمسنين)، و»الميديكيد» (للفقراء)، إضافة إلى التأمين الصحي الخاص مقابل اشتراكات تأمينية مختلفة بين العامل وصاحب العمل.

ثالثاً: تشير المؤشرات العالمية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر دول العالم التي تنفق على الخدمات الصحية، حيث ينفق الأمريكيون 17% من إجمالي الناتج المحلى على النفقات العلاجية بمعدل 7290 دولاراً للفرد سنوياً.

وعلى الرغم من ذلك أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة هاريس أن 80% من الأمريكيين يرون أن نظام الخدمات الصحية في بلادهم بحاجة إلى تغيير شامل.

ولا يوجد نظام تأمين صحي شامل يغطي كل السكان في الولايات المتحدة، ويبلغ عدد الأشخاص الذين لا يملكون تأميناً صحياً 15.4% من إجمالي المواطنين أي نحو 46.4 مليون نسمة.

رابعاً: ابتداءً من العام الماضي حاول كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي العمل على إصلاح نظام التأمين الصحي، وبناءً على هذا الجهد الذي استمر لمدة سنة، وضع الرئيس «أوباما» اقتراحه الذي يتضمن عمل كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ في خطة واحدة، وفى مارس 2010م خلال الجلسات التي عقدها مجلس النواب الأمريكي التي اتسمت بالصعوبة واختلاف الرأي ما بين المعارض والمؤيد: أعلن الكونجرس موافقته على برنامج الإصلاح الشامل للرعاية الصحية مساهما في توسيع قاعدة تأمينه لتشمل الأمريكيين دون استثناء.

ولقد أثار مشروع إصلاح الرعاية الصحية جدلا واسعا منذ نحو قرن، حيث فشل عدد كبير من الرؤساء السابقين في التوصل إلى تسوية بشأنه منذ عهد الرئيس الأسبق تيودور روزفلت، الذي جعل من مشروع الرعاية الصحية الشاملة هدفا لحملته الانتخابية في 1912م في مواجهة خصمه وودرو ويلسون، ومن بعده فرانكلين روزفلت مرورا بهاري ترومان وجيمي كارتر وبيل كلينتون.. ولكن محاولات هؤلاء الرؤساء باءت بالفشل لمعارضة الأطباء وشركات التأمين.

وبالفعل فقد حقق الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتصارا تاريخيا في «حرب المائة عام» التي خاضها العديد من هؤلاء الرؤساء بشأن هذا المشروع الذي يهدف إلى تغطية 32 مليون أمريكي لم تشملهم مظلة التأمين وتبلغ تكلفته 940 مليار دولار خلال السنوات الـ10 المقبلة، ويهدف إلى خفض عجز الموازنة العامة المثقلة بالديون بنحو 138 مليار دولار سنوياً بما يعادل 1.4 تريليون دولار خلال الفترة نفسها.

خامساً: يهدف هذا النظام الجديد إلى ما يلي:-

- تأمين الصحة للجميع: وذلك من خلال محاولات لتوفير التأمين الصحي بأسعار معقولة لجميع الأمريكيين غير المسنين، من خلال الجمع بين برنامج جديد للرعاية الطبية مثل الذي تقدمه الحكومة والخطط الصحية القائمة بين أرباب العمل.

- تغطية المقيمين: من خلال النظام الصحي الأمريكي سيكون جميع المقيمين بصورة قانونية في الولايات المتحدة الذين لم تتم تغطيتهم من قبل صحياً قادرين على شراء هذه التغطية الصحية ومنحهم حرية اختيار مقدمي الخدمات الطبية.

- انتشار الرعاية الصحية: إن هذه الخطة ستجعل الرعاية الصحية أكثر انتشاراً مما قبل، كما أنها ستجعل أسعار شركات التأمين الخاصة أكثر قبولاً وستسهم في توسيع التغطية الصحية لجميع الأمريكيين. كما أن هذه الخطة قادرة على ضمان استمرارية النظام الصحي، وتحقيق الاستقرار في ميزانية الأسرة، والميزانية الاتحادية، مما ينعكس على استقرار الاقتصاد القومي الأمريكي.

سادساً: ملامح النظام:

- لا ينص القانون على إنشاء صندوق عام للتأمين الصحي ولكنه يلزم كل شخص بالتأمين على نفسه أو دفع غرامة قدرها 2.5% من دخله السنوي.

- لم يعد بمقدور شركات التأمين رفض تغطية أي مواطن بسبب سجل مرضى سابق (مثل الإصابة بأمراض مزمنة) أو تخفيض مبلغ التأمين في حالة المرض، وهذه نقطة في غاية الأهمية حيث كانت تشكل عقبة كبيرة لمثل هذه الحالات التي هي بحاجة إلى رعاية صحية أكثر من غيرها.

- ستقدم الدولة تمويلا في حدود 65 ألف دولار في العام للأسرة التي يبلغ دخلها أقل من 88 ألف دولار سنوياً وذلك لمساعدتها على دفع تكاليف شركات التأمين.

- الأشخاص الذين يبلغ دخلهم أكثر من 200 ألف دولار سيدفعون المزيد من الضرائب لتمويل النظام الصحي.

- شركات التأمين التي ستستفيد من عدد كبير من العملاء ستدفع مزيدا من الضرائب من المتوقع أن تبلغ 67 مليار دولار في السنوات العشر القادمة. قطاع الأدوية بدوره ستبلغ فاتورة ضرائبه 23 مليار دولار.

- ستمنح كل ولاية الحق في إمكانية إلغاء المصاريف المقررة لعمليات الإجهاض إذا ارتأت ذلك.

- الأفراد الذين سيمتنعون عن الاشتراك في نظام تأمين صحي سيرغمون على دفع غرامة ويستثنى من ذلك الفقراء.

كما تجدر الإشارة إلى أن أسعار التأمين الصحي بموجب هذه الخطة ستكون أكثر قبولا وذلك عن طريق الآتي:

1 - توفير أكبر خفض للضرائب في التاريخ للطبقة المتوسطة وذلك في مجال الرعاية الصحية.

2 - الحد من تكاليف الأقساط المستحقة على عشرات الملايين من العائلات وأصحاب الأعمال الصغيرة ممن هم خارج نطاق التغطية (حسب أسعار اليوم).

3 - مساعدة ما يقرب من 32 مليون أمريكي على تحمل تكاليف الرعاية الصحية.

4 - تغطية أكثر من 95% من الأمريكيين بنظام التأمين الصحي.

5 - زيادة قدر المساءلة والطلب على الرعاية الصحية مما يؤدي إلى وضع القواعد المنطقية للحفاظ على أقساط التأمين الصحي لتكون في متناول الجميع، وتمنع التجاوزات التي ترتكبها شركات التأمين وأهمها الحرمان من الرعاية الصحية.

6 - وضع حد فاصل للتمييز بين الأمريكيين طبقا للظروف القائمة من قبل.

7 - تخفيض العجز في الميزانية خلال السنوات العشر القادمة بما يقرب من 1.3 تريليون دولار وذلك عن طريق تخفيض الإسراف الحكومي وكبح جماح الغش وسوء المعاملة.

سابعاً: مصادر التمويل:

يتوقع أن جميع أرباب العمل الأمريكيين سيقومون بتوفير التغطية الصحية لموظفيهم على قدم المساواة أو دفع ضريبة المرتبات المتواضعة القائمة على دعم الرعاية الصحية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة موظفيها لشراء الرعاية الصحية الخاصة بهم (بما يعادل 6% من كشوف المرتبات).

وبالنسبة للأشخاص الذين يعملون لحسابهم يمكنهم شراء التغطية الصحية من خلال دفع ضريبة المرتبات نفسها والقائمة على أرباب العمل.

أما بالنسبة للأشخاص الذين ليسوا في مكان العمل فهم يستطيعون شراء التغطية الصحية عن طريق دفع أقساط على أساس الدخل السنوي لهم.

إضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الفيدرالية ستقدم حوافز لجميع الولايات من أجل تسجيل أي من الأفراد المتبقين وغير المؤمن عليهم في مجال الرعاية الصحية.

بالنسبة لفئات غير المسنين المستفيدين من الرعاية الطبية حالياً ولمنسوبي برنامج الدولة للتأمين الصحي للأطفال فسيتم تسجيلهم تلقائيا في الرعاية الصحية للخطة الأمريكية، إما عن طريق أرباب العمل أو بصورة فردية.

وعالمياً توجد أكثر من 150 دولة تطبق التأمين الصحي بأنظمة وآليات مختلفة ما بين تأمين خاص واجتماعي وحكومي، ولا يوجد شكل معين مثالي يوجد إجماع على أفضليته عن الأشكال الأخرى.

وتبحث كل دولة عن نوع التأمين الذي يناسبها من حيث مدى سهولة التطبيق والإجراءات، ومدى توافر البيئة المناسبة للحفاظ على حقوق كل أطراف المنظومة التأمينية الثلاثة: المريض ومقدم الخدمة وشركة التأمين، حيث تعد صناعة التأمين الصحي من الصناعات المعقدة نظراً لتضارب مصالح الأطراف الثلاثة في المنظومة التأمينية.

وإن كانت بعض الدول تنظر إلى التأمين الصحي كأحد أفضل البدائل لتمويل الخدمة الصحية التي ترتفع تكلفتها وترهق ميزانيات الدول الغنية قبل الفقيرة... فهل هذه النظرة صحيحة؟

وبالنظر إلى الاستفادة من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية فقد أثبتت الأيام أن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها في هذا المنزلق المدمر صحياً واقتصادياً وعلى مدى مائة عام عجزت عن الخروج منه والسياسيون والاقتصاديون والقادة الصحيون يعرفون مدى الضرر الذي لحق بمجتمعهم من جراء التأمين الصحي الخاص وتحكمه في إدارة النظام الصحي بالكامل.

لدينا هنا وعي كبير بمستوى الضرر الذي يحدثه التأمين الصحي الخاص عندما يكون إلزامياً أو عندما يكون هو الخيار الاستراتيجي الذي يدور حوله الحدث.. صحيح أن كثيرا من المواطنين يرونه حلاً لمشكلاتهم دون أن يعرفوا حقيقته البشعة لكنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ونحن على يقين بأن المسؤولين على التخطيط الصحي في المملكة ورسم السياسات الصحية لا تخفى عليهم هذه الحقيقة، ولعلهم لا يكونون عرضة لضغط الأصوات المنادية بالتأمين الصحي الخاص الذين يبحثون عن الأفضل المدمر.

ولعل الله أن يوفقهم للخيار الصحيح على الرغم من الضغوط.

ولعل الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.

(*) استشاري الإدارة الصحية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد