Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/04/2010 G Issue 13725
الثلاثاء 13 جمادى الأول 1431   العدد  13725
 
في مشرقنا المترع مخاضات لها ما بعدها..!!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

مشرقنا العربي مسرح للصراعات الإقليمية والعالمية التي أوهت قواه وأذهبت ريحه وأطمعت فيه من لا يدفع عن نفسه.والشعوب المحظوظة من كان قادتها في ظل هذا الغليان المؤذن بالانفجار يجنحون إلى السلام، ويدفعون بالأحسن،

ويهدِّئون ردود الأفعال، ويرتدُّون إلى الداخل، ويمدون أرجلهم على قدر ألحفتهم، وحين يكرهون على المواجهة لا يتجاوزون جهاد الدفع وفتح أبواب العودة لمناوئيهم على شريعة: (عفا الله عما سلف).

صحيح أن الجهاد ذروة سنام الإسلام وأن إعداد القوة واجب إلا أنه لا يكون الخيار الأول، ولا يكون بدون عدة وعتاد من صنع أيدي المحارب ثم إن الإسلام انتشر بالدعوة والقدوة، ولو قرئ ما كتبه الداخلون فيه بطوعهم واختيارهم عن كيفية إسلامهم لوجد أنه ناتج القراءة أو القدوة الصالحة. وذلك سِرُّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) فالنص المحكم جاء مخاطباً للفطر السليمة وموافقاً للعقول الحكيمة ومستجيباً لجامات الإنسان في أي زمان ومكان، وهو وحده الأقدر على الإقناع والحمل. ولقد قدم كما أراد لنفسه أن يكون، ومافقد المسلمون أهلية القيادة للعالم أجمع وما فقد الإسلام عالميته وشموليته إلا بسبب النهم الخاطئ والتأويل الفاسد والتعصب المذهبي المقيت واستغلال العواطف الإسلامية الجياشة لأهداف ومصالح ليست من الإسلام في شيء.

ولن نمضي في تعداد الأسباب المؤدية إلى هذا المصير المذل لأنها من الكثرة بحيث لا يأتي عليها متحدث مخفّ. ولقد يثير هذا العزوف عن التقصي الكثير من الفضول، غير أن ذلك لا يمنع من توادد الخواطر، فالأمة بحاجة إلى من يوقظ فيها روح التحدي ونوازع الإيمان، والخيرية باقية فيها، وهي باقية على مسرح الأحداث بما هي عليه ترقب المجددين الذين بشر بهم من لا ينطق عن الهوى، ومها بلغت من الضعف والضعة فإن إمكانيات التألق والتفوق كامنة فيها كمون السقط في الزند وعجزها في غياب قادح الزناد، وهي قابلة للعيش الكريم بإمكانيات مبادئها لا بتطبيق مدعيها.

والعالم الثالث بوصفه المستوعب للعالمين: العربي والإسلامي يعيش حالة من الاضطراب والفوضى والفتن بفعل أبنائه وتآمر أعدائه وقلة إمكانياته، وقبل سقوط الماركسية كان ميدان الصراع، وكان للعالم العربي النصيب الأوفى، ولقد تمخض هذا الصراع عن سلسلة من الثورات الدامية التي جعلته كالرميم. ولما تزل فلول القوميات والماركسيات والعلمانيات فيها القائم والحصيد، وحين سقط القطب الموازي وتردى العالم كله في واحدية القطب واضطرابه في إدارة الأزمات بدأت أعناق النعرات البديلة تظهر متمثلة بالقبلية والقطرية والطائفية، ولم يعد العالم العربي قادراً على مواجهة تلك الأزمات والتقلبات السياسية إلا بحبل من الله أو بحبل من الناس.

ودون الحبلين خرط القتاد. والمتفائلون والمتشائمون يرون العقبات بحجمها الطبيعي، وهو حجم مخيف كما أنها محكمة الصنع وقابلة للتصعيد، ومهما استحكمت حلقاتها فإن وراء الخلق إرادة ربانية كونية تحسم الموقف غير عابئة بتقدير الخلوق. {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ}.

والأمة العربية عبر مؤسساتها ومؤتمراتها تدير بينها ما تعانيه وما يجب أن تفعله، وهي إدارة واعية ولكنها غير مسنودة وغير قابلة للتنفيذ لعوارض الفقر والفرقة وتعارض المصالح وتباين الخطابات وتوهم العداوات، وهي أسباب في غاية التعقيد والتصعيد.

وصراع القوى الأجنبية على فرض السيادة وسلب الحريات واستنزاف الخيرات يواكبه صراع إقليمي يحس ذووه بأنهم قادرون على فرض السيادة المناطقية بعد انكماشها عربياً، وأحسب أن دولتين إسلاميتين غير عربيتين تتنازعانها، ولكل واحدة معوقاتها ومؤهلاتها هما: (تركيا) و(إيران) ف(تركيا) تتعثر بسلطة العسكر المتشبعة بالعلمانية العنيفة، و(إيران) تتعثر بسلطة الآيات المشبعة بالطقوس الطائفية غير المقبولة على المستوى السني بوصفه الأكثرية الكاسحة في العالم العربي. والقوة المرجحة لإحدى الطائفتين تكمن في بواطن الخطط المبيتة للشرق الأوسط الجديد، وأياً ما كان الأمر فإن مخاضات خطيرة ومتكاثرة ترقبها كافة المشاهد السياسية والفكرية ولو على المستوى النخبوي المستشري تنازعه بين أطيافه داخل المنظومة الواحدة.

فالسلفية على سبيل المثال نسل منها مستنيرون لم يؤطروا رؤيتهم بضوابط وشروط تبعث الاطمئنان في نفوس المترددين بين التقليد والاستنارة المحسوبة.

وجاذبية القنوات والمواقع وتهافت المبتدئين والفضوليين للظفر بالحصة من دوائر الضوء أفقد البعض توازنه واحتشامه وهيبته بل إن الرغبة في الاستئثار دفع البعض الآخر إلى التدافع دون استيفاء لمتطلبات الغرب في فجاج التنازع الفكري. وهذا الاهتياج كشف الساحة وفتح الثغرات وأكد المجازفة والارتجال، ولقد ملئت الساحة بقضايا جانبية منحت الصدارة والأهمية، وجاء الاشتغال بها على حساب قضايا مصيرية، كما أن الارتباك أصبح سمة المرحلة حتى أن الوقوعات العارضة أعطيت أهمية الظواهر المتفشية، وانعدام القدرة والمنهجية مؤداه هدر الطاقات وضياع الجهود وارتباك الأمة ومبادرة الآخر لأزمة الأمور، وهذا التنازع يمتد أثره إلى القضايا الكبرى والمصيرية، فإما أن يبادرها من لا يملك هولاً ولا طولاً في إدارتها أو يجهضها من لا يستقيم أمره بسلامتها.

وقادة الفكر والإصلاح أحوج ما يكونون إلى التداعي إلى كلمة سواء، توقف نزيفه الجهود وتحفظ ماء الوجه وتوجه الطاقات إلى تفادي المزيد من الانهيارات، ولن يتحقق الالتفاف بدون التفكير الجاد لوضع آلية ومنهجية ملائمة ومستجيبة للمرحلة ومتناغما مع الإمكانيات، والواعي لهذا النزيف يروعه ما يرى من غفلة معتقة واندفاع غير محسوب ونزق ورعونة في الرؤى والتصورات.

وبعض المراحل المأزومة لا تستدعي الخطاب الأممي والنظرة الشمولية بل لا بد من التقدير والتدبير وحساب الخسائر والأرباح واتخاذ الخطوات الأكثر ثباتاً واتزاناً، وذلك ممكن متى وعت النخب واقع الأمة العربية على ما هي عليه وما يرقبها من مخاضات لها ما بعدها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد