الثقافية - بندر خليل
في شأن رحيل هذا الشيخ الأديب الجليل، رجل الدولة والثقافة والأدب، لابد أن يكون الكلام الذي يجب أن يقال بلا نهاية، ولابد كذلك أن تكون مشاعر الحزن والأسى بلا نهاية أيضاً.
قيل عنه الكثير -رحمه الله- كيف لا، وهو مدرسة فكرية خرّجت العديد من المثقفين، وصاحب ديوانية تحولت إلى أهم المرابع الفكرية في الأحساء، واستقطبت على مدى نشاطها الأدبي والثقافي أهم الأسماء الثقافية والفكرية في المملكة وخارجها.
الشيخ أحمد بن الشيخ علي المبارك، الذي انتقل مساء أول من أمس الجمعة إلى رحمة الله، عن عمر يناهز 94 عاماً، وكل الأيادي التي صافحته تتجه إلى الله له بالدعاء بالرحمة والمغفرة، وكل العيون التي قرأت له أو تأثرت بحديثه ترجو الله أن يسكنه فسيح جناته؛ ولد في الهفوف (شرق السعودية) 1337هـ (1916م). ودرس الفقه والحديث والنحو والصرف والأدب والتاريخ على يد والده وعدد من مشايخ الأحساء. وقد بدأ دراسته على يد (المطوع) في ذلك الوقت وعمره سبع سنوات. وحين بلغ الـ15 من عمره بدأ اغترابه العلمي، فسافر إلى البحرين ومنها إلى الكويت ثم إلى البصرة فبغداد، ودرس هناك في دار العلوم العربية والدينية، لكنه لم يستقر نفسياً، ليعود من جديد إلى مسقط رأسه.
ثم عاوده الحنين إلى طلب العلم من جديد، ولم يفلح أحد في ثنيه عن هجرته هذه المرة، فاتجه الشيخ إلى الأزهر بالقاهرة وانتظم المبارك في الدراسة هناك وتدرج في دراسته الإعدادية والثانوية، ثم التحق بكلية اللغة العربية وحصل منها على ليسانس في اللغة العربية وآدابها، سنة 1949، ثم التحق بجامعة عين شمس وحصل منها على دبلوم في التربية وعلم النفس من معهد التربية العالي عام 1951، وبعد سنة واحدة من هذا التاريخ عاد الشيخ إلى المملكة ليلتحق بمديرية المعارف العامة ليشغل أول وظيفة له باسم المفتش العام للمدارس الابتدائية والثانوية. وبعد فترة لا تتعدى العام الواحد تم تعيينه معتمداً للمعارف في منطقة جدة ورابغ، وبعد أن تحولت المعارف إلى وزارة أصبح مسمى وظيفته مديراً عاماً لتعليم جدة.
وفي عام 1954 انتقل للعمل في وزارة الخارجية وعيِّن بها مديراً للإدارة الثقافية والصحية، وبعد عام من العمل في هذه الوظيفة انتقل للعمل في سفارة المملكة لدى الأردن، ثم عمل في سفارة بلاده لدى الكويت. ثم أعيد ليعمل في وزارة الخارجية برتبة مستشار ومدير لإدارة الصحافة والنشر.
وفي 1962 عاد ليعمل قنصلا للمملكة في مدينة البصرة بالعراق، وفي عام 1965 عيِّن قائما بالأعمال في (أكرا) عاصمة دولة غانا، وبعد خمس سنوات أي في عام 1970 عيِّن سفيرا للبلاد في قطر بعد استقلالها فكان أول سفير للمملكة فيها.
عاد بعدها لوزارة الخارجية وعيِّن مديراً للإدارة الإسلامية بالوزارة وممثلا للمملكة في منظمة وزراء خارجية الدول الإسلامية. واستمر بها إلى أن انتهت خدماته عام 1994.
ثم عمل عضواً في مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي، وعضواً في رابطة الأدب الإسلامي، وظل يعقد «أحدياته المباركة» حتى ألمَّ به ما ألمَّ به من مرض، وهرم، حتى وافته المنية.
وطيلة عطاء هذا الرجل، عُرِف عنه قلة المؤلفات وكثرة العمل. لم يكن معتكفا في مكتبته، ولا يخاطب الناس إلا من خلال الورق، بل خرج إلى الجميع في المعاهد والجامعات والمدارس وحتى إلى البسطاء في الشارع، فكان تأثيره أعمق مما لو كان مؤلفا لمئات الكتب.
من مؤلفاته: رسائل في المودة والعتاب والاعتذار، الأحساء ماضيها وحاضرها، علماء الأحساء ومكانتهم العلمية والأدبية، عبقرية الملك الراحل عبد العزيز، سوانح الفكر.. مقالات في الفكر والحياة والمجتمع «في بداية الطريق».. كتاب عن رحلته في طلب العلم. وكتاب آخر عن حياته العلمية سماه «في منتصف الطريق».