من يقول بجور الأجور في السكن والمساكن، في عموم مدن المملكة اليوم، فهو محق إلى حد بعيد، وهذا الجور الضاغط على الأسر الكثيرة، متدنية ومتوسطة الدخل، والمؤثر على مستوى حياتها ومعيشتها - وهي تشكل الغالبية العظمى
في المجتمع - مبني في الأساس، على أربعة أمور مترابطة كما أعتقد. الأمر الأول؛ عائد إلى قلة في العرض، لا توازي الطلب المتزايد كل يوم، والثاني عائد إلى توقف شبه تام لنمو دخل الفرد، مع تدني القيمة الشرائية للريال في السوق، والثالث عائد إلى نمو متصاعد لعدد السكان، والرابع عائد إلى عدم وجود آلية منظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر. آلية صريحة وواضحة وصارمة، تحفظ لكل حق حقه، حتى أن السعودي الباحث عن سكن، أصبح غير مرغوب فيه عند المالكين، الذين ضاعت حقوقهم عند سعوديين كثيرين مستهترين وغير صادقين، وهذا ما يدفع بعض الجشعين من المالكين، إلى رفع الأجور بدرجة قد تكون باهظة وفاحشة، وترهق كاهل المستأجر.
كيف نعالج هذه المشكلة المركبة، ذات الأربع شعب..؟
* في عدد الجزيرة يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 2009م، نشر الكاتب الأستاذ (صالح بن عبد الله العريني)، مقالاً موحياً ومفيداً، ينتقد فيه تصريحات منشورة للدكتور (عمار بن صادق دحلان)، جاءت حول الرهن العقاري الذي رأى - دحلان - أنه سوف يسهم في حل مشكلة الإسكان، فقال الأستاذ العريني ما معناه: أن من يمسك بزمام الأمر في هذه القضية، هم تجار العقار، وطالب بفرض زكاة أو رسوم على الأراضي البور داخل النطاق العمراني للمدن، وضرب مثلاً بالرياض وحدها، فذكر أن قيمة الأراضي البور داخلها، تتجاوز (ترليوني ريال.. ألفي مليار ريال)..! وأن زكاتها أو رسومها السنوية لو تم ذلك، تصل إلى (50 مليار ريال) سنوياً، ولو طبقنا هذا على كافة مدن المملكة، لحصلنا على دخل مالي سنوي كبير، قد يوازي أو يفوق الناتج القومي السنوي من النفط وغير النفط، ماذا وإلا، فسوف يدفع مثل هذا الإجراء، كافة ملاك هذه العقارات المجمدة، إلى التخلص منها بأي ثمن، أو استثمارها بما هو مفيد ونافع للوطن والمواطنين.
الحقيقة.. أن هذه وجهة نظر منطقية وسليمة، وليت أمناء المدن ورؤساء البلديات، ومن بيدهم أمر التخطيط لنمو السكان والمساكن.. ليتهم ينظمون رحلة جوية استكشافية فوق كل المدن السعودية، ليروها من أعلاها.. أو يستعينوا بالشيخ (جوجل)، الذي سوف لن يبخل عليهم برحلات جوية ملونة، تأخذهم إلى كل سطح وشارع وسكة، وهم قاعدون على مكاتبهم الوثيرة، أو مستلقون على سررهم في دورهم، لكي يروا بكل وضوح، أن نسبة كبيرة من مساحة كل مدينة، هي عبارة عن أراض بيداء بيضاء جرداء، وهي لا تعدو أن تكون، مربى للحشرات، ومرعى للكلاب والقطط، ومرمى للقمائم والنفايات، وملاذاً للمجرمين والهاربين، ومأوى للمتسكعين والمتخلفين، وشواهد على طمع وجشع العقاريين، وبيان على سطوتهم وأنانيتهم، وفي بقائها على حالها المزرية هذه ؛ كشف لعشوائية التخطيط الإسكاني والعمراني، وفضح لضعف السياسات البلدية، التي تدير خطط تمدد العمران ونمو المدن.
إن الكلام في هذه القضية، يكثر طرحه، ويطول شرحه، وحتى نرفع الملل عن القراء الكرام، تعالوا نضحك قليلاً، مع هذه الطرفة، التي هي من طرف أزمة السكن والمساكن في مدن المملكة. تقول الطرفة: إن مواطناً في الشرقية، حصل بعد جهد جهيد، وعناء عنيد، على سكن لأسرته من الشركة التي يعمل فيها، فما كان منه ليعبر عن فرحته الكبرى هذه، إلا إطلاق الرصاص من سلاحه الرشاش في الهواء الطلق، فتم القبض عليه، وثبت بعد المساءلات والتحقيقات، أنه ليس مجنوناً، ولا مخبولاً، ولا إرهابياً، ولكنه رجل مسرور للغاية، ومحبور زيادة، إلى درجة الجنون..!!
يقول بعض الإحصاءات في هذا الصدد، بأن ما نسبته (78%) من عدد السعوديين.. (16 مليون نسمة تقريباً).. لا يملكون مساكن خاصة بهم. أي أن هذه النسبة الكبيرة، تسكن في مساكن مستأجرة من أملاك الغير، وأن (22%) فقط.. (4 ملايين نسمة تقريباً).. هم الذين يسكنون في مساكن خاصة.
مسألة تملّك السكن الخاص لكل أسرة أو فرد، ليست قضية في حد ذاتها، وإن كانت أساسية في ثقافتنا، حتى يروي الحفيد عن أبيه عن جده عن أب وجد جده، هذا المثل الذي يقول: (بيت قد المراية، ولا كل يوم هات كراية).. بكل تأكيد، ورغم أنف المثل إياه، فإنه لا يشترط أن يكون لكل إنسان سكن ملك خاص به، ولكن القضية الأهم، هي في توفير السكن اللائق الكريم، لكل إنسان، على شكل تملك خاص أو مستأجر. وفي السكن المستأجر، تتسع المساحة لعدد كبير من المنغصات التي لا تقف عند حد، فلا المالك مرتاح، ولا المستأجر آمن، بسبب قلة ما هو معروض أصلاً من الوحدات السكنية، وبسبب ضبابية التعامل بين المالك والمستأجر، لعدم وجود نظام أو آلية تحفظ حق كل طرف لدى الطرف الآخر، وخاصة إذا كان الطرفان سعوديين، فكثير من الشكاوى العقارية في المناطق، هي في هذه العلاقة الشائكة والقائمة على عدم الثقة بين الطرفين، حتى ظهر ما يشبه الاتفاق بين كثير من المكاتب العقارية في كثير من المدن، على عدم تأجير السعودي، الذي هو إنسان مجروب عند بعضهم، وإذا بحثنا في خلفيات هذا المشكل، وجدنا ما يبرر هذه الوضعية المضرة بأسر سعودية ليس لها ذنب، إلا تصرفات غير أخلاقية، من سعوديين لا يحترمون توقيعاتهم على عقود إجارة سكنية.
وللحديث بقية.
assahm@maktoob.com