Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/04/2010 G Issue 13722
السبت 10 جمادى الأول 1431   العدد  13722
 
لما هو آتٍ
قياس النجاة...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

فكرة قياس النجاة تلح كثيراً، كلما الصور تنسرب في مرمى النظر, كما مد الماء يتضوّع، ويَشفُّ..

العجوز عند مدخل المصحّة يتوكأ على زند ابنه، وبيد الابن الثانية كومة أوراق، كانا يمشيان في ردهات المصحة يقيسان بسيقانهما طولها ومسافتها، ويحصيان عدد أبوابها، وقد بصما طرقات كفيهما، وخرجا لا يتذكّران غير وجوه صارمة تطل أو لا يسمعان لها سوى صوتها، ليكون يومهما نهباً للركض.. وتقف لهما عربة أجرة فيزجان بجسديهما وتبلعهما المتاهة..

النساء يتوافدن أعداداً، يدلفن من بوابة اعتلتها لوحة «القسم النسائي»، وبداخل الردهة الطويلة المتزيّنة على جانبيها بأركان تفصل بين من بداخلها وبينها حواجز زجاجية تشف عن فراغها، تختلط أصواتهن، كل لها أمر، وكل لها قضية، وهن كالموج الهادر ذهاباً وإياباً، والمسؤولات بينهن وبين فوهة صندوق، يمتلئ بأوراقهن، وما يلبث أن تعود منها بعضها، ويتأخر بعضها الآخر، والهدير يتعالى منذ الثامنة صباحاً, حتى شارفت الثانية بعد الظهر، ومن يجلسون خلف الجدران في الجانب التنفيذي, إما يؤشرون على أطراف الأوراق المرتدة بخيباتهن، وإما يقدمون تعليماتهم هاتفياً لمن يبذلن بين النساء, تهدئة وترضية, وتارة توجيهاً واعتذاراً، وقليلاً ما ترطب الجو ابتسامة لواحدة من بين المتزاحمات, عادت أوراقها بما تريد..

الموظفة الباذلة الكثير، من ساعات يومها الخاصة بعد أن تعود من عملها, لعملها، يتضافر معها أفراد أسرتها، أمها تدعو لها، وزوجها يعاضدها ما استطاع، وأبناؤها يرجئون طلباتهم ما شاء وقت فراغها، تذهب لمقر عملها في الصباح، لتجد كتلاً من الرؤوس، همهمات لا تتضح لها، نوايا لا تفهمها، وجوهاً تقرأ فيها خطوط التحيّز، وتشم في الأرجاء روائح التكتّل، ومن تحت الطاولات تتناقل الأوراق التي سهرت في إعدادها، لتصدَّر في الخفاء جهودها، فتجدها قد تزيّنت بأسماء غيرها، يخامرها الحياء، تتمتم لنفسها: «لا بأس، كلنا زميلات», غير أنها كلما وضعت رأسها لتنام ليلاً تبلّلت وسادتها بدموع الألم، حسرة على خلق الإنسان، في معقل التربية..

الشاب الطموح، يحصل على وثيقة التفوُّق، تعرض عليه فرص متقدمة، يقبل بها، يحصد أوراقها ونياشينها، يزين بها وثائقه، يتقدم بها لرئيسه، موقناً أنه سيلاقي التقدير، والاعتراف بأهميته بين أعداد المنتمين لدائرته، يتوقع الترقية داخلها، والموافقة على الانطلاق للفرص الأخرى لزيادة خبراته، بل تبادلها في صالح دائرته, مع المجال الأوسع الذي استهدف قدراته استقطابا، يلج من باب رئيسه لمواجهته، فيصدمه بصوته المرتفع، وينقبض صدره بغضبة وجهه، وترتعد أطرافه وكلمات رئيسه تجلجل في أعصابه: «من أنت ؟ أنت مجرّد موظف، أتحنا له فرصة الاستزادة، تفوقك يخصك وحدك، لا علاقة لنا به، لن أسمح لك بأي تعاون مع جهة أخرى, وإلا تقدم باستقالتك، وأعد لصندوق المؤسسة التكاليف «...

مقاييس النجاة كيف توضع..؟ من يضعها..؟ من يحرص عليها..؟.., ما بنودها..؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد