إلى والدتي الحبيبة.. بين (ألم) الداء.. و(أمل) الشفاء..
|
مَا لِليَرَاعِ يُبَعثِرُ الأَحزَانَا |
وَيَخُطُّ مِن أَلَمِ البُعَادِ بَيَانَا؟ |
مَا لِلحُروفِ تَشيخُ قَبلَ شَبَابِهَا؟ |
وَتَصُوغُ رَغمَ سُكُونِها الأَشجَانَا؟ |
مَا لِلقَصِيدِ تَهَدَّمَت أَبيَاتُهُ؟ |
مَا لِلقَوَافي تَخنِقُ الأوزَانَا؟ |
مَا لِلزمَانِ كَئِيبَةٌ أَيَّامُهُ؟ |
مِن بَعدِ مَا سَعِدَتْ بِهِ أَزمَانَا؟ |
مَا لِلديَارِ عَفَت وَأَظلَمَ نُورُهَا؟ |
وَغَدَا النَّحِيبُ يُفَتِّتُ الجُدْرَانَا |
أُمِّي الحَبيبَةُ يَا رَبيعَ جَوَانِحِي |
يَا كُلَّ شِريَانٍ تَدَفَّقَ في دَمِي |
يَا طَيفَ أَحلامِي وَرَوضَ خَواطِرِي |
وَأَريجَ أَيَّامِي وَسِرَّ تَبَسُّمِي |
مَا الدَّارُ يَا أُمِّي وَأَنتِ بَعيدَةٌ |
عَنهَا سِوَى طَلَلٍ وَحِيشٍ مُعْتِمِ |
مَا الدَّارُ يَا أُمِّي وَأَنتِ بَعِيدَةٌ |
إلا كَقَبرٍ مُقْفِرٍ مُتَهَدِّمِ |
مَا الدَّارُ يَا أُمِّي؟ وَكَيفَ أَزُورُهَا؟ |
وَبحُضْنِ مَنْ إنْ مَا دَخلتُ سَأرتمِي؟ |
مَا زِلتُ يَا أُمَّاهُ أَرتشِفُ الأَسَى |
فَأَغُصُّ بالآلامِ حَتَّى لا أَعِي |
وَأَسيرُ في دَربِ الكَآبَةِ تَائِهاً |
وَالحُزنُ يُلهِبُنِي فَينثرُ أدمُعِي |
فَإذَا رَأيتُ ضيَاءَ وَجهِكِ سَاطِعاً |
وَحَديثُكِ الفَتَّانُ أَطرَبَ مَسمَعِي |
أَبصَرتُ مِن أَلَقِ الطفُولَةِ مَشهَداً |
وَتَضوَّعَتْ بأريجِ حُبِّكِ أَضلُعِي |
فَسلَوتُ عَن كُلِّ الهُمُومِ وَحَرِّهَا |
أَينَ الهُمُومُ.. وَأَنتِ يَا أمِّي مَعِي؟ |
أُمِّي.. وَتحتَفِلُ الدِّيارُ بعَودَةٍ |
وَسَلامَةٍ.. مِن رَاحِمٍ مُتَلَّطِفِ |
عَادَت.. فَأطفَأَت المدَامِعُ نَارَهَا |
يَا شَمعَةَ الدَّارِ التي لا تَنطَفِي |
أُمِّي.. وَتُنشِدُهَا القَصَائِدُ جَذْلةً |
والحُبُّ يَعزِفُ أُغنياتِ الأَحرُفِ |
والمنزِلُ الوَلهانُ يَشدُو بَاسِمَاً |
فالحُزنُ قد شَدَّ الرِّحَالَ ليَختَفِي |
إن تعرفي - أمَّاهُ - غَيضَ مَشَاعِرِي |
فالقلبُ يَحمِلُ فَيضَ مَا لَم تَعرِفي |
الرياض |
|