الوحدة الوطنية العظيمة التي رسم خطوطها ونسج خيوطها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود (طيب الله ثراه)، فصنع منها دولة راسخة الأركان شامخة الكيان عرفها العالم ب(المملكة العربية السعودية)، هذه الوحدة ُتعد واحدة من أبرز الإنجازات العالمية على مستوى التاريخ الحديث والواقع المعاصر، لأنها تحققت في خضم عالم إسلامي يتمزق تحيطه ظروف دولية مضطربة، ولأنها تجسدت على رقعة جغرافية كبيرة وشاسعة بتضاريس مختلفة ومنافذ بحرية متباعدة، ولأنها استوعبت كل التعددات القبلية والتنوعات المذهبية والتباينات المناطقية، التي انتظمت في نسيج اجتماعي فريد تحت راية واحدة وفي إطار نظام سياسي مستقر وقوي، فضلاً عن أن هذه الوحدة (السعودية) المتميزة قد تجاوزت في عمرها المديد قرناً كاملاً، وثلاثة قرون في رصيد تاريخها السياسي المجيد، لذلك هي لا تقبل التشكيك أو التخوين في وطنية أحد أو تسمح بالإقصاء لمن ينتمي لهذا الوطن، سواءً على المستوى القبلي بحكم امتداد بعض القبائل لدول خليجية أو عربية، أو على الصعيد (المذهبي) نظراً لتنوع المذاهب الإسلامية على خريطة المجتمع السعودي. من هنا يبدو السؤال المنطقي حاضراً عن طبيعة العلاقة بين الولاء (المذهبي) والانتماء (الوطني) بالنسبة للفرد السعودي ؟ بمعنى هل هي علاقة (تكامل) أم (تعارض) أم (ترادف) أم ماذا ؟ خاصةً أن تنوع المذاهب موجود كمعطى تاريخي وواقع حقيقي قبل قيام الدولة السعودية بقرون ماضية، فهناك السني بأطيافه الأربعة، والشيعي، والصوفي، والإسماعيلي.
بتقديري كي نفهم هذه العلاقة أو نحدد طبيعتها لابد أن نعي مسألتين مهمتين، الأولى أن (الوحدة الوطنية السعودية) تشكلت بالأساس من (خمس مكونات رئيسة) أسهمت في تعزيز بناء كيانها الوطني خلال مسيرتها الحضارية لتكون في مصاف الدول الحديثة، وهي المكون الديني الذي تعبر عنه (الهوية) المتمثلة بالإسلام وما ينضوي فيه من مذاهب إسلامية متنوعة، والمكون السياسي الذي ُيحدد (الجنسية) المرتبطة بالنظام الملكي القائم وكيان الدولة، والمكون البشري الذي يعكس (القومية) بحكم عروبة الشعب السعودي، والمكون الجغرافي الذي يتمثل في (الأرض) بمختلف مناطقها الإقليمية وحدودها الجغرافية، والمكون الثقافي الذي يتجسد في (اللغة العربية) وما يتفرع عنها من لهجات محلية متعددة من جهة ومن جهةٍ أخرى العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة. هذه المكونات هي سر قوة وحدتنا الوطنية وعامل تماسكها واستمرارها.
المسألة الأخرى.. أنه يجب أن ُنفرّق بين المكون الديني لوحدتنا الوطنية وهو (الإسلام) بمصادره التشريعية وأصوله العقائدية وأحكامه الفقهية، وبين (المذهب) الذي هو (خصوصية دينية) لبعض الفئات والشرائح الاجتماعية تحت مظلة الوطن العريضة التي تستوعب هذا المذهب أو ذاك، لأن (الاختلاف) بين المذاهب في كثير من الأحكام الفقهية والمسائل الدينية الفرعية والقضايا التاريخية هو اختلاف (تباين) وليس اختلاف (تضاد) لا يلغي (مصادر التشريع) و(أصول الدين)، وبهذا فإن علاقة الولاء المذهبي بالنسبة للانتماء الوطني هي (علاقة تفرع) أو ربما (ترادف)، فالدين هو رباط الوطن والمذهب يتفرع من هذا الدين، ولن تكون هذه العلاقة -إن شاء الله- (علاقة تعارض) إلا لدى من أسقط ثوابت المكون الديني لوحدتنا الوطنية، أو شكك في عقائدنا الثابتة، أو طعن في رموزنا الإسلامية من أي مذهب كان، عندها لا يُستغرب بعد ذلك إن تجاوز ولائه حدود الوطن، أو قام بعمل إرهابي ضد الوطن، فالانتماء هنا للشيطان وليس للوطن.
Kanaan999@hotmail.com