هذا نصف عنوان: لواحد من سلسلة كتب معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، والاسم بكامله: وسم على أديم الزمن: لمحات من الذكريات، وهذا هو الجزء السادس عشر من هذه السلسلة، وقد كان المؤلف يرصد ذكرياته في المفكرات، ويسردها على التدرج التأريخي حسبما سجل في كل يوم.
وما دام الأمر كذلك فإن المتوقع للكتاب أن تتضاعف أجزاؤه، ما دام هذا الجزء بنهاية عام 1385هـ، حيث ختمه بما سجله في يوم الاثنين 27 شهر الحجة بقوله: هنا أختم هذا الجزء بنهاية السنة الهجرية 1385هـ، متداخلة مع عام 1964م - 1965م، وهو ختام مناسب، إذا فكرنا في التاريخ وفي حجم الجزء مع ما سيأتي عليه من صور ووثائق (499).
فإذا أضيف للمادة في هذا الكتاب الوثائق والملاحق والصور والفهارس سيكون في 737 صفحة، وهو أكثر الأجزاء صفحات وأدسمها مادة وذكريات، ولذا لن نحيط به كلّه، بل نلتقط من جنباته ما يسدّ الحيز المطلوب.
ونتوقع مع هذا أن تتضاعف الأجزاء، أعان المؤلف وأمدّ في عمره، حتى يكمل ما في جعبته من هذه الذكريات المفيدة.
وكما قال في أحد الأجزاء: بأن قيمة هذه الذكريات كلما طال الزمن عليها، بحيث تصبح مرجعا قد يحس القراء بقيمته الآن، ولقوله: بأنها طال بها الزمن زادت طراوتها وحدتها، بل إنه حتى في هذا الجزء كان يأتي بمقارنات طريفة، ليربط ما كان جديداً ومؤثراً في زمن قريب، بما آلت إليه الحال الآن، والبعد الزمني قصير، حيث قفزت البلاد خطوات متسارعة: في المباني والعادات، والتعليم وفي كل أمر يتعلق بالرقي الحضاري، فما كان مستنكراً في الوقت أصبح الآن شيئاً، بل جاء ما يتفوق عليه.
وقد قارن المؤلف هذه الحالة ببعض الدول المجاورة في أمور لحقت بها المملكة، بل قفزت فوق المعادلة بخطى وثّابة.
وقد جعل المؤلف الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ببعْد نظره، ونظرته للمستقبل البعيد أنموذجاً تقاس عليه الأمور، بين ذلك بأمثلة أوردتها الحادثة بين الملك، وبين الأمير عبدالعزيز السليم، في الحديث عن أحد أفراد أسرة البسّام، وهو صديق لهما في الكويت، وهو ممن يزور الهند وإنجلترا، عن آخر طرائفه، والغرائب التي يرويها، عن آخر ما رأى مما يستحق أن يروى.
وقال للملك عبدالعزيز إنه يحدث بعد قدومه من رحلة له مؤخراً لبريطانيا، بأنه زار مصنعاً للطائرات، فرآهم يعملون على إنتاج طائرة، تحمل أربعة ركاب، فقبل دخولهما سوياً للمجلس الذي امتلأ، وفي طريقهما إليه، التفت الملك إلى ابن سُليم وقال: انتبه احذر أن تقول للناس: بأن هناك جرماً من حديد اسمه طيارة، يطير ويحمل أربعة أشخاص سوف أكون أول من يكذّبك أمامهم.
فقد كان رحمه الله كما قال المؤلف: يدرك البعد بين من يعرف الشيء وكنهه، وبين من لا يعرفه ويستوحش منه.
ثم يقول عن ما وراء الأحداث، حيث يراها تمهيداً لما وراءها -يعني بذلك الملك عبدالعزيز-، فعندما تقرأ خطاباً له، يوصي فيه شخصاً في مدينة ما، في عموم نجد، أن يعتني بطبيب نصراني، توغّل في قلب نجد، ليساعد الناس في العلاج، تشعر أن الملك عبدالعزيز يمهد لشيء أكبر وأكثر لقبول الفنيين الذين فيهم النفع، ومنهم يستفيد المواطن ويتعلم ويهادن ويتسامح (ص469-474).
وقد أفسح المجال للقلم، يتبسط في ملامح من سيرة الملك عبدالعزيز، وعبقريته ولقطات من بعد نظره للأمور، حيث يرى أن فطنته أرته ما لم يره غيره، حيث عرف بذكائه الفطري، واستعداده لقبول المعقول، وبُعد عن الخرافات والأوهام، ما جعله يهادن كل جديد، ويعرضه على بوتقة الدين والفكر، وهل هو مفيد له في هذه المرحلة، وما هو السبيل لإدخاله بسلام إلى المجتمع، وهل رد الفعل المقاوم، يتوازن مع ما قد يأتي من فائدة، ومدى الجهد الذي يجب أن يعد ليستفاد من هذا الداخل الجديد، والوافد الغريب، معتبراً أن دخول الملك عبدالعزيز الحجاز سهّل أن يقبل الناس، لبعض المخترعات الحديثة، مثل السيارة والتليفون والبرقية، ولكن أموراً أخرى احتاجت إلى وقت. مبيناً أن عبقرية هذا الملك لها جوانب تحتاج إلى غواص ماهر، يتفرغ للغوص إلى مكامن الدر فيها.
لقد استفاد المؤلف من سيرة الملك عبدالعزيز، جانباً مهماً في معاملة الملك بالمراسلات عن طريق رئيس الديوان الشيخ عبدالله بن عثمان وهو والد زوجة المؤلف، فقد استقدمه الملك من الكويت، وبحكم خدمته معه، حيث كان يعرف ما يقبله الملك عبدالعزيز وما لا يقبله، فقد كان يكتب للعامة بأسلوب يتغاير مع أسلوب الخاصة، ذلك أن الملك رحمه الله، دقيق في أمور المخاطبة.
وله أسلوبه الذي يختفي وراءه، ما إدراكه لتأثير المخاطبة، فهو أحياناً يبدأ بإملاء الخطاب، يعبر في أوله عما يريده رأساً، ولكنه في النهاية بالخطاب يعيد شيئاً مما قاله في أعلاه، وكأنه يريد أن ينبّه قارئه باهتمامه بالأمر، فلا يمر به مر الكرام، وإنما يعطيه أهمية مثل الأهمية التي أعطاها الملك مما أوجب التكرار. وما يمليه الملك يأتي على حسب مستوى من يخاطبهم.
ثم قال عن عبدالله العثمان، الذي هو والد زوجه، بأنه سريع الكتابة، وأنه يكتب كما يملي الملك، وخطه جميل ولهذا أصبح مدرسة للكتاب، الذين يساعدونه، وإذا خرج أحدهم اجتهادا، عن المعتاد ردّه إلى الصواب حالاً.
وقد ربط ما عرفه عن الملك بعبدالله العثمان الذي تزوج ابنة إبراهيم المعمر وكان رئيساً للديوان قبل عبدالله العثمان، وهي جدة أبناء الدكتور عبدالعزيز، وهذا الذي جعله يصل سببه بسببه، ويحرص على زيارته، لأن مدة بقاء الشيخ عبدالله في خدمة الملك عبدالعزيز أعطته خبرة بمعرفة سياسة الملك وما يسير عليه، في تسيير المعاملات في ديوانه، وعنه عرف بعض طباع الملك (462-474).
ولذا فإن إعجاب المؤلف بأولئك الرجال الذين كانوا هم تلامذة مدرسة الملك عبدالعزيز، فقد أحب إمتاع القراء بجزء من السيرة العطرة بما يرتاح له القارئ في كشف بعض الجوانب من سيرة الملك الموحّد لشمل الأمة، التي أخذت مع الكاتب، مساحة لا بأس بها، على رأس الشاعر: حفظت شيئاً وضاعت عنك أشياء. وهي صفات يتطلع إليها القارئ، ولا يدرك كنهها إلا من توفرت له فرصة اللقاء مع العاملين معه رحمه الله، والسابرين لأغوار نفسه، لذا فقد أتيح لمعالي الدكتور عبدالعزيز ما لم يتح لغيره في هذا الجانب، وتحدث عما عرف عن الملك رحمه الله.
كما كان للمؤلف اهتمام بشخصيات متميزة، يملؤون مراكزهم، ويبذلون من جهدهم، وأموالهم الشيء الكثير في سبيل خدمة الآخرين، وأورد منهم نماذج، فمنهم من كان في العلية، كالشيخ ناصر المنقور، وأخيه عبدالمحسن المنقور، وعبدالعزيز بن عبدالعزيز المنقور، ومن صغار الموظفين، لكنهم كبار بأعمالهم وأدبهم، مثل عبدالله الخيوبي وفهد الشايع، فلم يلحظ أحداً حقه ومكانته.
كما أولى عناية بلجان التعاقد، ومتابعة أرض الجامعة، ووقت حضور ومغادرة هيئة التدريس، والمكافآت مما يبرهن على متابعته الأمور المختلفة، وتسجيل ذلك في المذكرة عن النسيان.. وكذا حالة الطلاب حضوراً ومغادرة وسكناً، ومباني الجامعة، وحضور المؤتمرات ذات العلاقة بالجامعة، واستقبال الزوار لأن الجامعة أصبحت من معالم البلد.
وقال عن الأستاذ عبدالعزيز السالم: إنه عاد من القاهرة بعد استكمال دراسته الجامعية عام 1384هـ.
ومع كثرة المشاغل كان مهتماً بعصافير الزينة التي كان يأنس بها في سكنها المهيأ لها، ويخصص جزءا من وقته للاستماع إلى تغريدها، مع تعجبه من لغاتها وتفاهمها مع بعضها.. وهذا من حكمة الله سبحانه.
وقد تحدث عن معاناته مع زوجه، في حالة الحمل والولادة، وما وراء ذلك من مشكلات، إذ كان أول ذلك توأمين نفقا بعد أيام وهي في الشهر السابع، ولم يقدر لهما حياة، ولدا بمعاناة في الشهر السابع، ولم يكن بالمستشفى حاضنات، ومع اهتمامه وزوجه بخبرة مشتركة في الحمل والولادة، ففي الحمل الثاني عام 1385هـ كانت المراجعة مع مستشفى الشميسي فرأى الطبيب المشرف على الولادة تجنب عملية القيصرية، فنفق الولد أيضاً، وربط هذا بالحالة الصحية المتواضعة في المملكة ذلك الوقت، إذ في حالة الحمل الثالثة ارتبط بمستشفى أرامكو في المنطقة الشرقية، حيث كانت ولادة بنت طبيعية، فكبرت حتى صيرته جداً، وله عذره في التوسع في هذا الأمر لأهميته (269-273).
وقد كانت خبرته في الجامعة وما أعد لها من نظام قد منحته القدرة على التعاون مع الجامعات الفتية في المملكة لإعداد أنظمة لها، وخولته هذه الخبرة بالعضوية في المجالس واللجان العديدة العلمية في الجامعات، التي بلغت 12 لجنة ساهم فيها بخبرة ومعرفة (455-458)، (484).
وقد أورد عملاً خير في شخص نبيل، فيه وثق برجل لبناني سوف له أهمية شراء مزرعة، في حمانا، وأعطاه أموالاً وتفويضاً، ولما كمل كل شيء استولى عليه لنفسه، وهذا من الخيانة، وفي إيراد هذه الوقيعة تنبيه للناس الطيبين بالحذر من الوقوع فيما وقع فيه أصحاب القلوب السليمة.
إن هذا الجزء مليء بالفوائد والخبرات ذات المردود الحسن، والوقائع الإخوانية التي تتطلع النفس لها، سواء بقدرة التصرف كما لاحظ في المكتبة بالحاجة لتجليد الكتب فأحدث ورشة للتجليد، درب على أعمالها الموظفين واستورد لها أجهزة، فحققت نتائج جيدة (ص476).