Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/04/2010 G Issue 13713
الخميس 01 جمادى الأول 1431   العدد  13713
 

فَصَاحة الخطباء وتحْبير القُراء لا يخوِّلانهما مُفتون وعلماء !!
د. علي بن محمد الحماد

 

بعض الخطباء يخلِب ألباب السامعين بفصاحته وبلاغته وجزالةِ عباراته.. أو حتى غيرته وحُرقته على مجتمعه ودينه.. فيتوهم الناسُ أنه عالم، ويسمونه الشيخ.. وربما قبَّلوا رأسه.. فيتيهُ بعضهم فرحاً، ويطيش بطراً.. ويصدِّق نفسه أنه عالم، فيُفتي -وإن شئت فقلْ (يفتري)- فيفسد العباد والبلاد.

ويهرف بما لا يعرف؛ خصوصاً إذا كان الأمر من جهة التحريم والتجريم والتكفير.. فتجد لديه عطشا لاهبا للتحريم ليتوافق مع تطلعات الجماهير الساخطة على أمر ما.

قال الإمام المحدِّث سفيان الثوري -رحمه الله: الفقيه كل الفقيه هو الذي يُفتي بالرخصة عن الثقة، أما التشديد والتحريم فكلٌ يُحسنه.

والزهو والعُجب والغرور العلمي داء عضال، ومرضٌ فتّاك قلما ينجو منه عالم إلا من رحم ربي، وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من العُجب، فقال أيضا: (إن أول من تُسعَّر بهم النار ثلاثة؛ وذكر منهم: رجل تعلمّ العلم ليقال عالم) فهذا ليس من بنيات أفكاري.

والعلماء يقولون: فساد الدين والدنيا على يد: نصف عالم، ونصف نحْوي، ونصف طبيب.. فهذا يفسد الأديان وهذا يفسد اللسان وهذا يفسد الأبدان.

أيها الإخوة الفضلاء: لابد أن نفرق بين العالم المفتي والقارئ المبتدئ، ونفرِّق بين العالم والخطيب.. إن الخطابة والفصاحة لا يصنعان عالما يُصدر عن رأيه، وكذلك القارئ مهما حبر القراءة وأبدع في الترتيل لا يخولانه عالماً؛ فكم رأينا في حلبات العلم صراعاً ونِزالاً ممن يرمون البروز قبل النضوج!! وقديماً قيل: إن حبّ الظهور يقطع الظهور. (ومن تعجَّل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه)؟

وقال صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر).

ولست أقصد بهذا أنه لا يمكن أن يكون الصغير عالماً، وإنما أقصد ألا نتوهم أن كل خطيب مصقع، أو قارئ حاذق هو عالم وإلا فقد قال تعالى في حق نبيه يحيى: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا). وقد أفتى شيخ الإسلام وعمره لم يناهز التاسعة عشرة، ثم أنه لا بأس أن يفتي إمام المسجد والخطيب بما يتأكد منه أو يعزوه لعالم معتبر. ولكننا نحذر من داء الشهرة الذي عمّ بلاؤه، وانتشر داؤه مع هذه القنوات الفضائية التي ضجَ منها الفضاء، ولامست بأطروحاتها عنان السماء.

تمنى أن يُسمى فقيه مناظر

بغير عناءٍ والجنون فنون

إن الفتيا جمرة تضطرم، من تجرأ عليها تجرأ على النار! في

جب أن تبنى على التحرِّي لا على التجرِّي.

إن بعض الخطباء الحذاق، وفقهم الله: إذا لاحظ عامة الناس شيَّخوه تجده واثقاً بنفسه، لديه جرأة أدبية في الحق، فيقول: أنا لست مفتياً.. أنا داعية، خطيب، واعظ، قارئ فقط.. أما بعضهم فينجرف مع التيار فتحمله أعاصير العامة فيكون كما قال الأول:

وقال الطائزون له فقيهٌ

فصعَّد حاجبيه به وتاها

وأطرق للمسائل أي بأني

ولا يدري لعمرك ما طحاها

وليس في هذا دعوة لكتمان العلم.. فالذين يكتمون العلم وما أنزل الله من البينات والهدى.. (أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) كما قال تعالى.

والعلماء يقولون: العلماء ثلاثة: عالم دولة، وعالم أمة، وعالم ملة، فعالم الأمة هو حاشد الجماهير ومتبع هواهم، وعالم لدولة؛ أما عالم الملّة فهو الذي لا يقول على الله إلا الحق.. بالوقت والكيف والأسلوب الذي يوافق الحق.. (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا).. يقول العلماء: من تصدَّر قبل أوانه فقد تصدَّى لهوانه.. والخلاصة، أن من شروط الفتوى:

أن يكون الرجل عالماً بالناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والعام والخاص ...إلخ.

وأن يكون قد بلغ مرحلة الاجتهاد.. ولو في مذهب واحد.

وأن يكون ملماً باللغة العربية.

وأن يكون عارفاً بالحديث صحيحه وضعيفه وموضوعه.

وحبذا كونه ملماً بالشعر الجاهلي، وأن يحفظ متون مذهب من المذاهب إضافة للقرآن الكريم.

وأن يكون لديه من الفقه وأصول الفقه ما يستطيع أن ينزل عليه المسائل الطارئة..إلخ.

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

رياض الخبراء


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد