ما أروع هذه الكلمات التي تحدث بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في المعرض السنوي للكتاب، مشيراً إلى أهمية الكتاب في حياتنا والتقدم العلمي في الطباعة التي أتاحت لنا الحصول بكل سهولة ويسر على أعداد كبيرة من الكتب التي نحتاجها في جميع المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات التي نحتاجها في حياتنا، والكتاب ثقافة وتوجيه ومعرفة وتعليم، ودور التربية الحديثة مسؤولة عن تدريب الأبناء على صحبة الكتاب وكيفية حب القراءة والاطلاع على ما هو جديد لأنه غذاء للعقل وفي سن مبكرة هكذا يعمل العالم المتحضر، فرب الأسرة مشغول دائماً بإعداد حياة أفضل لأسرته من ملبس ومشرب ومأكل، فلا بد أن يهتم أيضاً بهذا الغذاء الفكري الذي يبني الأولاد ويساعدهم على التقدم والرقي وزرع حب الابتكار وتجديد الأفكار وتقليد من سبقونا في العلوم وهي دول العالم الأول وما سبقونا إلا من خلال احترامهم للعلم ومصاحبتهم ومصادقتهم للكتاب، وبالتالي لا بد من تعويد الأولاد على هذه المصاحبة وتحبيبهم في القراءة من خلال تنظيم مهرجانات ومسابقات، فنحن أمة مسلمة أول ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في الغار من القرآن كانت أول سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وعندما نحبب الأولاد في مصاحبة الكتاب ليس كما قال القرآن الكريم {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًاَ}، بل حمل هذه الكتب في الصدور لينور بها العقول وبالتالي إعداد مكتبة في المنزل هي النواة الحقيقية لخلق جيل جديد قارئ يحب الاستزادة من العلم بحيث تكون هذه الكتب بين يدي أولادنا لتكون لهم مرجعاً للبحث والعلم والدراسة والتحصيل منذ نعومة أظفارهم، فالمثل القائل: «من شبَّ على شيء شاب عليه» وتعويدهم على المحافظة على الكتاب واسترجاعه إلى مكانه المخصص له في المكتبة لأنه المرشد الذي يعينهم على حرية التفكير فيهديهم إلى تحقيق أهدافهم العلمية، فاختيار أفضل الكتب المفيدة بوعي حتى تصرفهم عن إضاعة وقتهم في اللعب واللهو ومشاهدة الأفلام والمسلسلات ومباريات كرة القدم والجلوس على شبكة الإنترنت لمشاهدة المواقع الإباحية وعدم الاستفادة من هذه الشبكة من النواحي الإيجابية، ودائماً شبابنا لا يحسنون استخدام الإيجابيات، بل دائماً يذهبون إلى سلبيات هذه الشبكة، فالثقافة تكون من الكتاب وأزمة التفكير لا تكون إلا في غيبة الكتاب الذي يمنح الثقافة ويؤثر على العقل التأثير المنشود، وعلى الآباء والأمهات استغلال رغبة الأبناء في القراءة وبما أن الطفولة صانعة المستقبل فإن الكتاب هو الذي يغذي الطفولة حتى تصل إلى مراحل الشباب والرجولة وفق منهج إنساني سليم بعيد عن التشنج الفكري وعدم احترام الغير، وحالياً لم يعد الكتاب بالمفهوم والشكل المعروف، بل أخذ أشكالاً عديدة وهذا هو التطور الذي كانت تنادي به الحضارة العالمية، أصبح الكتاب موقعاً إلكترونياً، أصبح الكتاب ملفاً ممكناً نقله في حيز صغير لا يتعدى أظفر اليد، وأصبح متاحاً بقوة والحمد لله.
وإذا رجعنا إلى العصور الماضية أي منذ خمسة قرون قبل اختراع جوتنبرج للطباعة كانت الكتب تنسخ يدوياً وكان من الصعب، بل من المستحيل على الفقراء الحصول على كتاب في هذا الوقت، لأنه يعد مكلفاً جداً ولا يقدر على ثمنه إلا الأغنياء فقط، أي أن الكتاب لا يستحوذ عليه إلا فئة قليلة جداً من الشعب، وعندما ظهرت الطباعة شهدت الصين في هذا المجال تجربتين، قام بي شونج الوزير الصيني بصنع حروف متفرقة من الطين الخزفي تحرق وتجمع منها الكلمات وكان ذلك بين عامي 1041م/1049م إلا أن هذه الطريقة لم تستمر لأن الخزف قابل للكسر عند الضغط عليه أثناء الطباعة، وقام صيني آخر عام 1314م بتكرار نفس المحاولة ولكن باستخدام الخشب بدلاً من الخزف ولكنه اكتشف أن الخشب يتآكل بتوالي الضغط عليه في أثناء الطباعة، واحتاج العالم أكثر من قرنين من الزمان حتى تم اختراع طريقة جديدة للطباعة في عام 1450م على يد الألماني جوتنبرج الذي جرب المعادن لصنع حروف الطباعة وكانت ثورة في هذا الوقت وتم طبع أول كتاب مطبوع في العالم الذي استغرق طبعه ست سنوات كاملة وهو الكتاب المقدس عام 1456م وفي خلال هذه السنوات استطاع أن يقوم بطبع 180نسخة في هذا الوقت، ما دعاني أن أطوف بكم في هذا المجال وأعطي هذه النبذة عن بداية الطباعة لأوجه نظركم أيها القراء الأعزاء إلى ما نحن فيه من بساطة الحصول على الكتاب الذي كان أجدادنا لا يستطيعون الحصول عليه إلا بشق الأنفس وبذل الجهد والمال، فعندما اطلعت على بعض الإحصائيات عن القراءة بين العرب وأمريكا وبريطانيا «إن المواطن العربي يقرأ ربع صفحة في العام بينما الأوروبي والأمريكي يقرأ أكثر من أحد عشر كتاباً في العام». وتطالعنا الأخبار المصورة بالطوابير والازدحام على المكتبات ومعارض الكتب في هذه البلاد بينما الكتاب عندنا يشكو الوحدة من قلة الأصدقاء الذين يجلسون معه، مع أن الدول العربية تقوم بتنظيم المعارض سنوياً للكتاب منها معرض الرياض السنوي للكتاب، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب أيضاً ونرى هذه النسبة المقذذة للقراء والتي تصيبنا نحن بالإحباط لما يسير إليه الوطن العربي من عدم مسايرة التقدم العلمي، والقراءة تفتح العقل وتنمي التفكير فيشعر القارئ أنه إنسان له شخصية وحقوقه في الاختيار والتذوق، وهذا الشعور يكون دافعاً وحافزاً له لطلب المزيد من القراءة المستفيدة والأفضل للأبوين أن يسألا الأبناء عن محتوى الكتاب وموضوعه وأخذ رأيهم فيما قرؤوه أي لا يكونوا سلبيين في القراءة مستقبلين فقط، أي لا يستحوذ مؤلف الكتاب على عقولهم دون أن يحصلوا على فوائد من قراءة هذا الكتاب، بل من الأفضل أن يقدموا وجهة نظرهم إلى من يسألهم عن المحتوى، فتبادل الآراء يجعل الابن إنساناً ناجحاً في حياته منظماً ومفكراً ومفيداً لوطنه وليس الهدف الأساسي من القراءة هو زيادة المعلومات فقط، بل العمل على تنمية القوى العقلية فتساعدهم على التركيز والانتباه وتفتح عقولهم لأمور الحياة وتشبع خيالهم وتغرس في نفوسهم القيم والأخلاق وتعمل على تثقيف ضميرهم وتنمية ذوقهم وإحساسهم بالجمال وجمال التعبير وخلق الرغبة للاطلاع على كل ما هو جدّي في مجتمع يواجه التحديات في عصر يشهد نهضة علمية وتكنولوجية واسعة النطاق، وشكراً من الأعماق لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض القائل: الكتاب زميلي، وسموه -حفظه الله- لا يمكن أن ينسى القراءة فهو يعطي من وقته حيزاً كبيراً للقراءة والاستطلاع ومعرفة كل صغيرة وكبيرة أكرر تحية وتقدير لزميل الكتاب حفظه الله.