كنت أظن أن لا أحد يقرأ هذه المفارقات اللوجستية، حتى قرأت تعليق الصديق معالي الدكتور محمد الرشيد على ما كتب في إحداها حول الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون الخليجي شارحاً عطاءها منذ تأسيسها، ومن بعد ذلك بدأ التواصل مع القراء، فقد هاتفني أحدهم ممن لم أتشرف بمعرفته في السابق مادحاً المفارقة المعنونة بـ «النفاق الأنجلوسكسوني» وأن هذا النفاق الذي تجلى في موقف الدول الأنجلوسكسونية ودبلوماسيتها الناعمة في مواجهة إسرائيل التي اعتدت على سيادتها وعلى أمن مواطنيها بتزوير جوازات سفر دبلوماسية وعادية تعود لمواطنيها، واستخدمتها في جريمة في دبي فضحتها أجهزة الأمن الإماراتية، وقد أفاد القارئ الكريم بأن ما ورد في المقال كان مدار نقاش طويل بينه وبين زملائه مساء الجمعة التي سبقت نشر المقال بيوم واحد.
لكن قادحاً استوقفني، اعتذر هو عن ذكر اسمه، وهو يعلق على المفارقة اللوجستية الأخيرة المعنونة «إلى السيدة داليا مجاهد»، فاتهمني بأنني تناسيت محطة مضيئة للولايات المتحدة الأمريكية مع الشعب المسلم في البوسنة والهرسك، وكيف أن أمريكا حاربت الصرب ووقفت مع الشعب البوسني حتى ضمنت له استقلاله.
لم أشأ أن أدخل في جدل مع ذلك القارئ الكريم خاصة وقد حجب عني شخصه، ووعدته بأن مداخلته ستكون موضع اهتمامي وها أنذا أفعل.
لم أنس ولم أتناس الموقف الأمريكي من القضية البوسنية، ولكني وقد أكون مخطئاً لم أعتبر ذلك الموقف انتصاراً للمسلمين في البوسنة وإن بدا ذلك في الظاهر، إذ إنه في ظني كان تصفية لحساب مع دولة صربيا التي حالفت روسيا سياسياً التي بحثت عن حليف لها في قلب القارة الأوروبية، بعد أن تخلت عنها دول شرق أوروبا، وتكالبت على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فضلاً عن المذهب الأرثوذكسي المسيحي الذي يجمع بينهما. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أمريكا وهي تنتصر لمسلمي البوسنة، فإنما كانت تضع حداً لتغلغل المتطرفين الإسلاميين الذين توافدوا من كل حدب وصوب على البوسنة والهرسك، يحاولون تحويل البوسنة والهرسك إلى دولة إسلامية في قلب أوروبا النصرانية، وهو ما شكل هاجساً لأوروبا وأمريكا حاربتا من أجله.
وأخيراً فقد أوصى المؤتمر الثاني للتكنولوجيا النووية لخدمة المجتمعات الإقليمية الذي عُقد في مملكة البحرين مؤخراً بإنشاء كيان نووي خليجي شبيه بالوكالة الأوروبية للطاقة الذرية، ومما أسعدني أن هذه التوصية كانت موضوع مقال لي بعنوان (امتلاك التقنية النووية) نشر في هذا العمود بجريدة الجزيرة في العدد (13596) بتاريخ 12-1-1431هـ الموافق 19-12-2009م.
الشكر الجزيل للمعلقين على مفارقاتي اللوجستية من مادحين وقادحين، فهم بتواصلهم يمدونني بإكسير الاستمرار.