الصف الثالث من المرحلة المتوسطة، عدد الدارسات 31، معلمتهن متدربة تعمل بجد منذ المستوى الأول في الدبلوم العالي للتربية والتعليم، كانت تلمح دوما إلى أن طموحها لا يقف عند الحد الذي تكون فيه مختصة في التدريس فقط، لكنها تسعى للدرجة العليا، مع أنها لا تطمح في الانضمام للتعليم الجامعي، كانت تقول: لا يغريني منصب عضو هيئة تدريس، لكنني سأكون باحثة تعليمية.. وكثيراً ما كنت أطلب إليها الحديث عن طموحها في البحث، فكانت تشير إلى رأسها: هنا تتصارع أفكار كثيرة أعدك سوف أناقشها معك يوما، وفيما تدلف خارج الصف الثالث المتوسط، بعد أن قدمت حصة متميزة في الأداء، وتمكنت من إدارة هذا العدد من الدارسات مختلفات السلوك، ومستوى النمو الإدراكي، بل الثقافي والمعرفي، خرجت ووجهها مكفهر على الرغم من محاولاتها الجادة لأن تخفي ربكتها، حاصرتها بالسؤال: فأجابت بسؤال آخر: ألم تلاحظي كيف حاولن إحراجي؟.. لكن ما الدافع لهذا..؟ لم تجد ما يبرر لهن مثل ذلك السلوك.. غير أنها حين تذكرت ما أخطأت فيه من معلومة، وما عجزت معه من تشغيل جهاز العرض الذي اعتمدته وسيلة لدرسها، فاضطرت للإلقاء ولم تكن مستعدة له، علمت أن الدارسات في مثل هذا العمر لا يملكن ضابطا واعيا يحرك رغباتهن في التفكُّه، فموقفها كفيل بأن يحرضهن، ويكون عاملا لذلك المسلك..
وقفت قليلا تتفكر، وأخذت تضحك من نفسها.. إذ عرفت أن طموحها الكبير، وثقتها بنفسها، ليسا كفيلين بحجب إمكانية الخطأ، والوقوع في مأزق الظرف وطوارئ الوسائل.. وأن مهارة الحذر، ومهارة التوقع لابد أن تكونا يقظتي الحدس لديها، حين ترغب أن تدرأ عنها حرج المواقف، أو تكبح رغبة التفكه لدى الصغيرات..
عند باب حجرة الصف الثالث المتوسط، وداخله هناك حكايات للطموح، وللإحباط، للفرح، وللإحراج، للطموح، وللخيبات، للبدء وللنهاية، لكنها بقدر تفاوت مستويات الفارق بين المعلمة والتلميذة، والتلميذة وزميلتها, والطريق من هناك يبدأ.