كان لقائي مع أخي الحبيب أبي عاصم عبد الله بن صالح بن عبد الله السديس -على غير العادة- لقاءً صامتاً، وأخيراً! فقد توفي يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الأول لعام 1431هـ إثر عملية جراحية رحمه الله رحمة واسعة.
|
دُنيايَ زِيدِي علَى الأحزانِ أحزَانَا |
واسْتقْبِلِي الكونَ بالآهاتِ ألْوَانَا |
قَد كانَ لِي في ظَلامِ اللّيلِ مُسْتتَرٌ |
فَخَاننِي الليلُ إشْهَاراً وَإعْلانَا |
يَا لَيْلُ حَسْبُكَ مَا أنصَفْتَ فِي رَجُلٍ |
لَو قُدَّ مِن حَجَرٍ من حُرْقَةٍ لاَنَاَ |
يَا لَيْلَةً حَلَكَتْ والفَجْرُ نَرْقُبُهُ |
لكنَّ لَيلاً -بِلا فَجْرٍ- تَغَشَّانَا |
يَا لَيْلَةً فُصِمَتْ فِيهَا مَبَاهِجُنَا |
مَا أقصَرَ العُمْرَ أعْوَاماً وَشُطْآنَا! |
يَا لَحْظَةَ البَيْنِ مَا أبْقَيتِ لِي جَلَداً |
لَو كُنتُ مَوْجاً فَقَدْ لاقَيتُ طُوفَانَاَ |
مَاتَ الشَّقِيقُ فَشُقَّ القلبُ مِن كَمَدٍ |
وَالقَلْبُ يُقْسُو عَلَى الأحْجَارِ أحْيَانَا |
|
يَا لَيْلَةً عَادَتِ الذّكْرَى مُؤَجِّجَةً |
فِي القَلْبِ حُمًّى وَفِي الأضْلاعِ نيرَانَا |
ذَكرْتُ مَا كَانَ مِن إلْفٍ يُظَلِّلُنَا |
كأنَّهُ الدَّوْحُ صَارَ اليومَ عَطْشَانَا |
كَمْ قَدْ بَثَثْنَا تَبَارِيحاً وَعَاطِفَةً |
في مَسْمعِ اللَّيْلِ حَتّى طَابَ قَلْبَانَا |
أُفْضِي ويُفْضِي وَما فِي الليلِ مُتَّسَعٌ |
فَنُودِعُ الفَجْرَ وَحْياً طِيْبَ نَجْوَانَا |
كُنَّا وَكُنَّا فَمَا زِلْنَا وَمَا بِنَّا |
حَتَّى مَضَيْتَ إخِي حيَّاً وَرَيَّانَا |
نَزيفُ جُرحِكَ نَزْفٌ فِي حَشَاشَتِنَا |
وَجُرْحُ فَقْدِكَ يُنْسِينَا شَكَاوَانَا! |
|
يَا شَاطِئاً طَالَمَا كَلَّتْ سَوَاعِدُنَا |
سَعْياً لَنَبْلُغَهُ حُبّاً وأحْضَانَا |
يَا رَوضَةً قُصِدَتْ وَالأَيْكُ مُجْتَمِعٌ |
حتَّى رَأَيْنَا الدُّنَا حَقلاً وَبُسْتَانَا |
يَا وَاحَةً طَرِبَتْ فِيهَا بَلاَبِلُنَا |
حِيناً مَنَ الدَّهْرِ، هَلْ يَرْتَدُّ مَا كَانَا؟ |
كَمْ صَاحِب يَا أخِي قَاسَى مُصِيبَتَنَا |
وَلَمْ يَزَلْ مِن جَليلِ الهَمِّ سَهْرَانَا |
تَبكيكَ أرْمَلَةٌ فِي لَوعَةٍ نَشَجَتْ |
تَقُولُ: مَأ مِتُّ بَلْ حَانَتْ مَنَايَانَا |
يَبكيكَ طِفْلٌ رَأى فِيكَ الأبُوَّةَ فِي |
أسْمَى مَظَاهِرِهَا جُوداً وإحْسَانَا |
قَد عاشَ تَكْفُلُهُ دَهْراً وَتُكْرِمُهُ |
شَكَا بِفَقْدِكُمُ يُتْمًا وَحِرْمَانَا |
تَبكيكَ أمُّكَ تَبكِي الفَقْدَ كُنْتَ لَهَا |
أخاً وإبْناً وَبِرّاً زَادَ رُجْحَانَا |
تَبْكي عَلَى طَلَلٍ، هَلْ فِي البُكَا فَرَجٌ؟ |
أوَّاهُ لو لُبِّثُوا أو أمهِلُوا آناَ! |
تَبْكيكَ زَوجُكَ قَدْ ضَاقَتْ مَدَامِعُها |
حَتّى بَرَاهَا الأسَى هَمّاً وأضْنَانَا |
تُخْفِي أسَاهَا لِتُرْضِي قلْبَ طِفْلَتِهَا |
وَيأْكُلُ الجَمْرُ أحشَاءً وَشِرْيَانَا |
يَبكيكَ إبْنُكَ قَد أودَعْتَهُ دُرَراً |
مَنَ المَعَانِي التي فِي حُسْنِهَا ازْدَانَا |
يَبُثُّ خَلْوَتَهُ ذِكْرَى تُمَازِجُهُ |
شَوقاً وَنَجْوَى وأسْمَاراً وأشْجَانَا |
جُمَانُ تَبْكِي أباً مَوْشِيُّ رَفْرَفِهِ |
تأوِيْ إليْهِ إذَا مَا الجَدْبُ قَد بَانَا |
رَزَانُ تَبْكِي فَتبْكِي الوُرْقُ فِي فَنَنٍ |
والطَّيرُ وَاجِمَةٌ دَهْراً وَإبَّانَا |
تَبْكيكَ رَنْدٌ وَهل يُخْفِي فَجِيعَتَهَا |
قَلْبٌ تَفَطَّرَ حَتَّى آبَ حَيْرَانَا؟ |
تَبْكِي عَلَى وَلَهٍ ريمٌ وَقد شُغِلَتْ |
عَنِ الصَّغَارِ بِدَمْعٍ كَانَ هَتَّانَا |
نَادَيْتُ لا تَبْأسُوا رُوحِي لَكُم وَطَنٌ |
وَقَدْ بَنَيتُ لَكُم فِي القَلْبِ إيوَانَا |
تاللهِ يَا وَلَدِي قَد زَدْتُمُ عَدَداً |
عَهْداً أُوَثِّقُهُ مَا كُنتُ خَوَّانَا |
يَا حَامِليهِ حَمَلْتُمْ فَوقَ أرْؤُسِكُم |
لِلْمَجْدِ دَاراً وَللْعَلْيَاءِ جُثْمَانَا! |
يَا أطْيَبَ النَّاسِ أخْلاقاً وأصْدَقَهُم |
قولاً وفِعْلاً وَإخْبَاتاً وَتَحْنَانَا |
يَا أبْطَأ النَّاسِ فِي حِرصٍ وفِي لَجَجٍ |
وأسْرَعَ النَاسِ إنْ خَطْبٌ تَوَلاّنَا |
مَضَيْتَ وَحْدَكَ لَم تَشْغَلْكَ فَانيَةٌ |
وَتَبْتَغِي عِوَضاً رَوْحاً وَرَيحَانَا |
يَا غَادِياً وَجِنَانُ الخُلْدِ غَايَتُهُ |
يَجْزِيكَ رَبُّكَ غُفرَاناً وَرِضْوَانَا |
|
ربَّاهُ ربَّاهُ كَمْ أسْدَيتَ مِن مِنَنٍ |
الحمْدُ للهِ إذْعَاناً وعِرفَانَا |
كَمْ مِحْنَةٍ مَنَحَتْ لِلخَلْقِ مَكْرُمَةً |
وَالفَضْلُ للهِ لا يَحْتَاجُ تِبيَانَا |
ربَّاهُ إني وَإنْ قَاسَيْتُ مِن ألَمِي |
آوِي إليكَ بِقلبٍ فَاضَ إيمانَا |
بَرْدُ اليَقينِ يُدَاوِي كُلَّ جَارِحَةٍ |
تَدْمَى وَيُحْيِي بُعَيْدَ اليُبْسِ أغْصَانَا |
مَاتَتْ عَلَى شَفَتِي البَسْمَاتُ أحيَانَا |
لَكِنْ إذا نَهَضَ الإيمَانُ أحيَانَا |
الرياض |
|