قد لا يكون سراً أن المنتجات البتروكيماوية تُشكِّل اليوم عنصراً رئيساً بمدخلات الإنتاج لأغلب الصناعات الحديثة.. ويُعد ذلك تطوراً في تقنيات الصناعة بمختلف أبوابها من حيث توسيع قاعدة المواد التي أصبحت بدائل لما كان سائداً سابقاً مما يقلل الضغط على بعض السلع ويخفض بتكاليف الإنتاج ويسهم بزيادة المبيعات وقدرة المستهلكين على مستوى العالم للانتفاع بما تنتجه المصانع لمختلف الصناعات.. وهذا بدوره يزيد بالطاقة الاستيعابية للاقتصاد العالمي.. وكذلك يوفر ملايين فرص العمل نتيجة قدرة المستهلكين على الشراء من مختلف مستويات الدخل.
وبهذا تكون المنتجات البتروكيماوية صاحبة الفضل بالتقدم الصناعي والاقتصادي عالمياً.. وقد لا تجد اليوم منتجاً يخلو من مواد أساسها مادة بتروكيماوية.. وإذا كان إنتاج البتروكيماويات قد بدأ منذ عقود طويلة إلا أنها اليوم أصبحت ركيزة أساسية لأي صناعة فهي تدخل بصناعة الإلكترونيات من أجهزة الحاسب الآلي والهواتف والأجهزة الطبية وكذلك السيارات والألعاب وصناعة النسيج والأثاث والعديد من المنتجات الأخرى.
ومع هذه الأهمية التي تكتسبها البتروكيماويات فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل سنسمع مستقبلاً بأن الدول تحتفظ ببعض تلك المواد كمخزون إستراتيجي يعادل بأهميته النفط الخام.. فالصين أكبر دولة صناعية مصدرة بالعالم تخطط لزيادة إنتاجها من الآيلين بما يقلل من اعتمادها على الاستيراد بنسب تصل إلى 40 % خلال الأعوام الثلاثة القادمة.. وإذا كان الهدف هو تخفيض التكاليف للمواد الخام بإنتاجها محلياً وزيادة المنافسة العالمية.. وبالتالي انعكاسه داخل اقتصادها على معدلات التضخم مع غيره من الإجراءات فإن لمثل هذه الخطط أثراً مهماً في قراءة التحولات المستقبلية بالنظر لطبيعة ما يمكن أن يُسمى مخزوناً إستراتيجياً.. فهي تتعدى بذلك جانب تأمين الاحتياطات من بعض المواد الخام أو مشتقاتها التقليدية المعروفة.
ومن هنا فإن أهمية القطاع البتروكيماوي السعودي كصناعة ترفد الاقتصاد الوطني بإيرادات وفائدة أوسع من مصادر الطاقة التي تمتلكها المملكة ستتحول إلى قوة أوسع بالتأثير في الاقتصاد العالمي بعد أن يتحقق الهدف بتربعها على عرش أكبر دولة منتجة للبتروكيماويات بما يعادل 14 % من حصيلة ما ينتجها العالم خلال السنوات الخمس القادمة.. وستكون الجبيل منارة مضيئة ومشعة في خريطة العالم الصناعي.. وهذا ما يُفسر إقبال العديد من الشركات الكبرى عالمياً للدخول بمشاريع مشتركة مع أرامكو وسابك للاستثمار داخل المملكة بوتيرة أسرع خلال العقد الحالي، فتمَّ الإعلان مؤخراً عن نقل المشروع الضخم بين أرامكو وداو كيميكال إلى مدينة الجبيل لجاهزيتها لاستقبال هذه الشراكة التي سيستثمر من خلالها 75 مليار ريال سعودي.. وقبل أيام أعلنت سابك عن مشروع مشترك مع شركة سيلانيز الأمريكية بقيمة 1500 مليون ريال.
فالانعكاس الحقيقي الذي تُشكِّله هذه الصناعة سيبرز من خلال تدفق الاستثمارات بصورة متسارعة في المستقبل بشكل مباشر لإنشاء المشاريع محلياً مستفيدين من المزايا النسبية لرخص اللقيم حيث تعكف أرامكو على زيادة إنتاجها من الغاز الذي يلعب الدور الرئيس في تميُّز هذه الصناعة لدينا بخلاف موقع المملكة الجغرافي كمتوسطة لدول العالم، ولديها واجهتان بحريتان مما يجعلها قريبة من كل الأسواق وسيسهم بتوفير فرص عمل كبيرة ومتميزة.. وسيكون هناك أثر بارز في السوق المالية من خلال تركيز الاستثمار الأجنبي في القطاع البتروكيماوي كونه سيشكل حصة كبيرة من إنتاج العالم.. أي أن جزءاً كبيراً مما تخصصه الصناديق العالمية للاستثمار بقطاعات متخصصة ستستحوذ الشركات السعودية على النصيب الأبرز منه.. لكن استكمال حلقات الاستفادة القصوى من تسيد هذه الصناعة يتمثل أيضاً بإنشاء بورصة خاصة لها تنعكس بالفائدة على الاقتصاد المحلي بزيادة كبيرة بإيراداته وتسهم بمعرفة حجم المخزون والإنتاج العالمي من المنتجات البتروكيماوية مع إمكانية لعب الدور الأبرز باستقرار الطلب عليها والمحافظة على الأسعار بمستويات تخدم المنتجين والمستهلكين مع ضرورة تنمية المعلومات حولها من خلال إصدارات خاصة بها وكذلك اهتمام الجامعات بتخصصات ترتبط بهذه الصناعة بمختلف أوجهها الفنية والبحثية والاقتصادية.
إن العالم شهد تحولات كبيرة بعد الأزمة المالية العالمية من خلال تفعيل أدوار جهات عديدة وإن كان آخرها منتدى الطاقة الدولي الذي خرج عن إطار مراقبة أسواق النفط إلى مختلف أنواع الطاقة.. وهذه الصناعة المشتقة من النفط والغاز تمثل طاقة احتياطية للصناعة العالمية وينطبق عليها ما يحدث لمنبعها الأم من ضرورة للمحافظة على تأمينها مع تنوع مصادر الطاقة التي بدأت تطبق عملياً بعد أن كانت مجرد أفكار للمناقشة.. وبالتالي فإن الاقتصاد العالمي ينتقل إلى مرحلة تخصصية بمعايير المخزونات الإستراتيجية التي تُشكِّل مصدراً مهماً وحيوياً لطاقاتها الإنتاجية.
mfaangari@yahoo.com