هذه قصة غريبة وعجيبة ومؤثرة، ولها دلالاتها على عظمة الإسلام، وأنه المنقذ للبشر من شقائهم وتعاستهم إذا عرفوه وطبقوه حق العلم والمعرفة، فهو يخلق الشخصية المتوازنة، ويحرر الإنسان من شهواته ورغباته وأهوائه، ويربطه بالله الخالق البارئ المصور العظيم الجبار المتكبر، ويقوي إرادته،
وقد وصلتني هذه الرسالة على بريدي الإلكتروني فأثارت في نفسي بعض مشاعر الغبطة والرضا من جهة، وبعض مشاعر التقصير في تبليغ هذا الكنز الذي بين أيدينا للعالم المحتاج له في مشارق الأرض ومغاربها، ولهذا أحببت أن يطلع عليها القراء الكرام، وأوردها كما وصلتني مع بعض التصويبات اللغوية لعلها تؤثر فيهم مثلما أثرت في: (في كل يوم جمعة، وبعد الصلاة، كان الإمام وابنه البالغ من العمر إحدى عشرة سنة من شأنه أن يخرج في بلدتهم في إحدى ضواحي أمستردام ويوزع على الناس كتيباً صغيراً بعنوان «الطريق إلى الجنة» وغيرها من المطبوعات الإسلامية. وفي أحد الأيام بعد ظهر الجمعة، جاء الوقت للإمام وابنه للنزول إلى الشوارع لتوزيع الكتيبات، وكان الجو بارداً جداً في الخارج، فضلا ًعن هطول الأمطار.. الصبي ارتدى كثيراً من الملابس حتى لا يشعر بالبرد، وقال: حسنا يا أبي، أنا مستعد! سأله والده: مستعدٌ لماذا؟ قال الابن: يا أبي، لقد حان الوقت لكي نخرج لتوزيع هذه الكتيبات الإسلامية. أجابه أبوه: الطقس شديد البرودة في الخارج وإنها تمطر بغزارة. أدهش الصبي أباه بالإجابة عندما قال: ولكن يا أبي لا يزال هناك أناس يذهبون إلى النار على الرغم من أنها تمطر، أجاب الأب: ولكنني لن أخرج في هذا الطقس، قال الصبي: هل يمكن يا أبي أن أذهب أنا من فضلك لتوزيع الكتيبات؟! تردد والده للحظة ثم قال: يمكنك الذهاب، وأعطاه بعض الكتيبات، قال الصبي: شكراً يا أبي. ورغم أن عمر هذا الصبي أحد عشر عاماً فقط إلا أنه مشى في شوارع المدينة في هذا الطقس البارد والممطر لكي يوزع الكتيبات على من يقابله من الناس، وظل يتردد من باب إلى باب حتى يوزع الكتيبات الإسلامية. بعد ساعتين من المشي تحت المطر، تبقى معه آخر كتيب، وظل يبحث عن أحد المارة في الشارع لكي يعطيه له، ولكن كانت الشوارع مهجورة تماماً. ثم استدار إلى الرصيف المقابل لكي يذهب إلى أول منزل يقابله حتى يعطي من فيه الكتيب. ودق جرس الباب، ولكن لا أحد يجيب.. ظل يدق الجرس مراراً وتكراراً، ولكن لا أحد يجيب، وأراد أن يرحل، ولكن شيئاً ما يمنعه. التفت مرة أخرى إلى الباب ودق الجرس، وأخذ يطرق الباب بقبضته بقوة، وهو لا يعلم ما الذي جعله ينتظر كل هذا الوقت، وظل يطرق الباب، وهذه المرة فتح الباب ببطء. وكانت تقف عند الباب امرأة كبيرة في السن، ويبدو عليها علامات الحزن الشديد، قالت له: ماذا أستطيع أن أفعل لك يا بني؟. قال لها الصبي الصغير ونظر لها بعينين متألقتين، وعلى وجهه ابتسامة أضاءت لها العالم: سيدتي، أنا آسف إذا كنت أزعجتك، ولكن فقط أريد أن أقول لك إن الله يحبك حقيقة، ويعتني بك وجئت لكي أعطيك آخر كتيب معي والذي سوف يخبرك كل شيء عن الله، والغرض الحقيقي من الخلق، وكيفية تحقيق رضوانه. وأعطاها الكتيب وأراد الانصراف فقالت له: شكراً لك يا بني! وحياك الله! وفي الأسبوع التالي وبعد صلاة الجمعة، كان الإمام يعطي محاضرة، وعندما انتهى منها سأل: هل لدى أي شخص سؤال أو يريد أن يقول شيئاً؟ ببطء، وفي الصفوف الخلفية وبين السيدات، كانت سيدة عجوز يُسمع صوتها تقول: لا أحد في هذا الجمع يعرفني، ولم آتِ إلى هنا من قبل، وقبل الجمعة الماضية لم أكن مسلمة ولم أفكر أن أكون كذلك!! وقد توفي زوجي منذ أشهر قليلة، وتركني وحيدة تماماً في هذا العام.. ويوم الجمعة الماضي كان الجو بارداً جداً وكانت تمطر، وقد قررت أن أنتحر لأنني لم يبق لدي أي أمل في الحياة، لذا أحضرت حبلاً وكرسياً وصعدت إلى الغرفة العلوية في بيتي، ثم قمت بتثبيت الحبل جيداً في إحدى عوارض السقف الخشبية ووقفت فوق الكرسي وثبت طرف الحبل الآخر حول عنقي، وقد كنت وحيدة ويملؤني الحزن وكنت على وشك أن أقفز. وفجأة سمعت صوت رنين جرس الباب في الطابق السفلي، فقلت سوف أنتظر لحظات ولن أجيب، وأياً كان من يطرق الباب فسوف يذهب بعد قليل. انتظرت ثم انتظرت حتى ينصرف من بالباب، ولكن كان صوت الطرق على الباب ورنين الجرس يرتفع ويزداد. قلت لنفسي مرة أخرى: من على وجه الأرض يمكن أن يكون هذا؟ لا أحد على الإطلاق يدق جرس بابي ولا يأتي أحد ليراني!!. رفعت الحبل من حول رقبتي، وقلت أذهب لأرى من بالباب ويدق الجرس والباب بصوت عالٍ وبكل هذا الإصرار. عندما فتحت الباب لم أصدق عيني فقد كان صبي صغير وعيناه تتألقان وعلى وجهه ابتسامة ملائكية لم أرَ مثلها من قبل، حقيقة لا يمكنني أن أصفها لكم، الكلمات التي جاءت من فمه مست قلبي الذي كان ميتاً ثم قفز إلى الحياة مرة أخرى!!، وقال لي بصوت ملائكي: سيدتي، لقد أتيت الآن لكي أقول لك إن الله يحبك حقيقة ويعتني بك!! ثم أعطاني هذا الكتيب الذي أحمله (الطريق إلى الجنة) وكما أتاني هذا الملاك الصغير فجأة، اختفى مرة أخرى وذهب من خلال البرد والمطر، وأنا أغلقت بابي، وبتأنٍّ شديد قمت بقراءة كل كلمة في هذا الكتاب، ثم ذهبت إلى الأعلى وقمت بإزالة الحبل والكرسي لأنني لن أحتاج إلى أي منهما بعد الآن. ترون؟ أنا الآن سعيدة جداً لأنني تعرفت إلى الإله الواحد الحقيقي. ولأن عنوان هذا المركز الإسلامي مطبوع على ظهر الكتيب، جئت إلى هنا بنفسي لأقول لكم الحمد لله، وأشكركم على هذا الملاك الصغير الذي جاءني في الوقت المناسب تماماً، ومن خلال ذلك تم إنقاذ روحي من الخلود في الجحيم. لم تكن هناك عين لا تدمع في المسجد وتعالت صيحات التكبير.. الله أكبر.. الإمام الأب نزل من على المنبر وذهب إلى الصف الأمامي حيث كان يجلس ابنه هذا الملاك الصغير.. واحتضن ابنه بين ذراعيه وأجهش بالبكاء أمام الناس دون تحفظ. ربما لم يكن بين هذا الجمع أب فخور بابنه مثل هذا الأب.. ا.هـ
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
zahrani111@yahoo.com