كثيراً ما تعلن بعض الجهات الحكومية وشبه الحكومية تعاقدها مع شركة عالمية لوضع خطتها الاستراتيجية، أو هيكلتها الإدارية، وتفتخر بهذا العقد الذي غالباً ما يكون بمبالغ مبالغ فيها لدرجة كبيرة.
ومع أن وضع الخطط وتنظيم العمل إدارياً ومالياً مطلب أساسي ومهم، إلا أن الملاحظة أو قُلْ المأخذ على مثل هذه العقود، إتمامها مع شركات أجنبية، وكأن البلد يفتقر إلى مثل هذه الشركات ومراكز الدراسات والأبحاث..!
أحد أصحاب مراكز الدراسات السعودية حدثني عن هضم الجهات الرسمية لحقوق الباحثين وأصحاب مراكز البحوث والدراسات، وأنهم بالكاد يغطون نفقات موظفيهم إن لم يطلهم عجز وخسارة.
إنَّ مراكز الدراسات الوطنية تحقق من النتائج أضعاف ما تحققه مراكز الدراسات الأجنبية؛ وذلك لما تحيط به المراكز الوطنية من معلومات أساسية تجهلها الأجنبية، بل لا يمكن أن تتوصل إليها لكونها معلومات من ثقافة المجتمع لا يمكن لاستبيان معد الوفاء به.
أردد المقولة الشهيرة (زامر الحي لا يطرب) كلما سمعت خبراً يقول إن الجهة الفلانية وقَّعت عقداً مع الشركة أو المركز الفلاني الأجنبي، ومراكزنا خاوية على عروشها على الرغم من أن القائمين عليها أساتذة لهم خبراتهم وباعهم الطويل في هذا الشأن.
يتمالكني العجب والدهشة من هذه الوطنية المفقودة لدى هذه الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية، وهذا الانبهار بكل ما هو أجنبي، على الرغم من دندنتها الدائمة على مسألة الوطن وحب الوطن إلى آخر منظومة التشدق الممل الممجوج.
إنَّ الوطنية الحقة هي إيثار مصلحة الوطن وأهل الوطن على كل مصلحة خاصة كبرت أو صغرت، أما التشدق بالكلام دون العمل فهذا ضرب من ضروب النفاق.
لعلي لا آتي بجديد عندما أطرح فكرة إلزام الجهات الوطنية كافة، سواء منها الحكومية أو الأهلية، بأن تكون جميع دراساتها وتنظيماتها من قِبل مؤسسات سعودية 100 %، وألا يقبل بأي شكل من الأشكال الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية إلا في أضيق الحدود واستصدار موافقة سامية لذلك.
لقد خطت المملكة خطوات كثيرة في مسار الإصلاح من جوانبه كافة، ولكن المتخاذلين والمنتفعين يعكرون هذه المسيرة بالتجاوزات والمتشابهات من الأنظمة والتعليمات.
إننا في أمسّ الحاجة إلى الضمائر الحية التي تراعي الله أولاً ثم تستجيب لتطلعات ولي الأمر الهادفة إلى جعل هذا الوطن في مقدمة بلدان العالم بما يملكه من إمكانات بشرية وحضارية ومادية، وأن نطهر نفوسنا وقلوبنا وننير عقولنا بهذه الأهداف السامية وهذه التطلعات الكبيرة؛ لنصل إلى المراد الجميل والمقصد النبيل.
إنَّ أي أمة لا تعتمد على قدراتها تبقى أمة مستضعفة مهما ملكت من ثروات وشيدت من مبان وطرقات، فالحضارة الحقة والتقدم الحقيقي الاعتمـاد على الوطن أرضاً وإنساناً.
almajd@hotmail.com