ليست هي المرة الأولى التي أزور فيه الجوف، هذه المرة الثالثـــة.. وأجدني في كل زيارة أقترب منهــا.. وأشعــر بالارتياح وأنا أتأرّج ريح عطر أرضها، وأحاور أبناءها الذين تحس أنهم يتناغمون معك بمودتهم وسجاياهم وثقافتهم.. وإذا لم تكن أنت بينهم في جوفهم، فأنت معهم وهم معك وأنت تصادقهم وتعيش معهم أصدقاء وزملاء وأحبة في الرياض الذي يلتقي أبناء وطننا تحت مظلة سمائها الوارفة.
|
في زيارتي الأخيرة التي قمت بها مع زملاء أعزاء من مجلس الشورى بدعوة كريمة من زملاء (جوفيين) بالمجلس.. في هذه الزيارة التي كانت ودية أكثر منها رسمية، أحسست أنني رأيت (الجوف) أكثر، وعرفت أهلها وثقافتها بشكل أبهى وأجمل بدءاً من سمو أميرها ومروراً بمشائخها وأبنائها وانتهاء بمثقفيها وأدبائها.
|
الجوف ودود تنثر على زائرها حباً، تماماً كما يفيض عذب مائها تحت أرضها.. وهي منطقة تأبى الجفاف كاخضرار شجرة زيتونها.. وهي (حلوة) بأرضها وناسها كما هي (حلوتها).
|
(الجوف) رغم تواجد جوانب التنمية والعمران فيها التي لا يخطئها البصر، إلا أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من المشروعات والبنى الأساسية، وبالأخص الخدمات الصحية والبلدية.. ولهذا فهي تتطلع إلى المزيد من النماء في هذا العهد الزاهر.. وبقي أخيراً أن أنقل عتب أبناء الجوف التي تحتضن أرضها و(بسيطاؤها) كبريات المشروعات الزراعية التي أقامتها شركات زراعية عملاقة، لكن هذه الشركات لم تسهم في المشاركة في تنميتها وإقامة بعض المشروعات فيها، أو حتى توظيف أبنائها، وهي التي أقامت مشروعاتها على تدفق مياهها وخصوبة أرضها وترحيب سكانها.
|
لقد بقيت في الجوف الجميلة يومين مع أحبة زملاء لا يشقى جليسهم.. وقد مر اليومان كما يمر السحاب، ولقد أَنِسنا فيها بزيارة مجالس أهلها الكرماء حد نهاية السخاء.. وسعدنا ونحن ندير أحاديثنا و(سمرنا) على صوت (الربابة) الساحر التي يجرّها بصوته العذب أحد شبانها.
|
تحية للجوف الأرض والماء والزيتون الإنسان.
|
|
يؤسفني عندما أقول: إن الكثير منا يفتقدون ما يطلق عليه (ثقافة الانضباط)!
|
إن غياب هذه الثقافة هو سبب حضور كثير من الممارسات التي تؤخر الأعمال، وتزعج المراجعين وبالتالي تؤثر على مسيرة التنمية!
|
مثلاً: (الموظف الذي لا ينضبط في دوامه).. كم يضرّ ذلك بمصالح الناس وإنجاز أعمالهم.
|
(قائد السيارة) الذي لا يتقيد بأنظمة المرور والسلامة.. كم يتسبب في الحوادث والمصائب.
|
(الطالب) الذي لا ينضبط في دراسته هو يضيع مستقبله، وبالتالي يخسر عطاءه وطن.
|
(الإنسان) بشكل عام إذا لم ينضبط في عمله ومواعيده والتزاماته فإنه بقدر ما يخسر شخصياً فإنه يجعل الآخرين يخسرون وقتهم وهو أثمن ما يملكون في المزيد من الإنجاز.
|
|
ثقافة لم نستوردها.. بل هي في صميم ثوابتنا وثقافتنا الإسلامية، وتأملوا في التنظيم والدقة والانضباط في مواعيد (الصلاة) خمس مرات باليوم.. وفي (الصيام) في رمضان إمساكا وإفطارا.. وفي مناسك (الحج) وشعائره.
|
بقي أن نجعل هذا الانضباط في (الشأن العبادي) ينتقل إلى الانضباط في (الشأن الحياتي)!
|
أمانة الرياض وإطلاق سراح الاخضرار..!
|
فكرة صغيرة لكنها رائعة وموفقة تلك هي ما قامت بها أمانة منطقة الرياض بإزالة الأسوار التي كانت تحيط بحدائق الأحياء الصغيرة.. فجعلت سكان الحي يصافحون وهم غادون ورائحون بُسط أرضها الخضراء، ومن جانب آخر، أطلقت هذه الخطوة عقال نسيم هذه الحدائق المعطر في الأحياء بدلا من حبسه بين جدران هذه المساحات الخضراء.
|
أكتب هذه السطور وقد مررت صباحاً بحديقة حيي الصغيرة فانفتحت نفسي وكتبت بلون الاخضرار وربما لو مررت (بأكوام نفايات) لكانت كتابتي ملطخة بالقتام والسواد..!!
|
|
للشاعرة الجوفية ملاك الخالدي من ديوانها (غواية بيضاء):
|
(هنا يذرفُ الزيتونُ زيتاً كأنهُ |
دموع التلاقي بعد أن غابَ واصلُ |
هنا في رحاب الجوف تمضي عروقهُ |
تضخ مياهً تحتويها الجداولُ |
فتنتعش الأرجاء تزجي عبيرها |
شفيفاً فيتلوه المدى والسَّنابلُ) |
|