صدر حديثاً كتاب بعنوان: (الأوقاف والمجتمع) يضم مجموعة بحوث عن العلاقات التبادلية بين الأوقاف والمجتمع للدكتور عبدالله بن ناصر السدحان، شملت خمسة بحوث هي: الآثار الاجتماعية للأوقاف، وكيف نواجه مصارف الأوقاف لتلبية احتياجات المجتمع، ورؤية مستقبلية لدور الأوقاف في الاستفادة من الشباب، والأوقاف على الحرمين الشريفين خارج المملكة العربية السعودية، والاندثار القسري للأوقاف: المظاهر والحلول المقترحة.
وأبان المؤلف أن الكتاب هدف إلى كشف الصورة المشرقة لجانب من جوانب الحضارة الإسلامية وهو الوقف، وتجلية الآثار الاجتماعية لها على بنية المجتمع بمختلف مستوياتها (الأسرة - المجتمع - الأمة)، والتي طالما غاب عنها القلم البحثي ومن ثم استخلاص العبر من هذه الآثار لتوظيفها في تشخيص الواقع والانتقال إلى التخطيط للمستقبل من خلال إبراز ما كان للأوقاف من أثر اجتماعي كبير على المجتمع بشكل عام في شتى مناحي حياته؛ لتكون دافعاً لإعادة دور الأوقاف في المجتمعات الإسلامية بشكل متجدد وصورة فعالة كما كان سابقاً.
وطرح الدكتور السدحان من خلال كتابه عدداً من المقترحات عن كيفية إرجاع دور الأوقاف لتنشيط بعده الاجتماعي وتحقيق أثره في المجتمع، منها تنفيذ حملات إرشاد وتوعية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي تهدف إلى إبراز قيمة الصدقات وأجر الإنفاق في سبيل الله وبخاصة ما كان منها صدقة جارية وفق نظام (الوقف) للإقبال على إحياء هذا النظام وجعله يؤدي دوره الكبير في حياة المجتمعات كما أداها باقتدار في الفترات السابقة، وبخاصة أن هناك مؤشرات على تراجع المبادرات الوقفية في بعض الدول الإسلامية، وهناك أيضاً مؤشرات كثيرة على عودة أصل الوقف ومقدماته إلى توهجه وذلك في البدايات هنا وهناك لتنظيم الوقف ومصادر جباية الزكاة والصدقات.
واقترح مؤلف الكتاب أن يتم التفعيل الشامل للهيئة العالمية للوقف المرتبطة بالبنك الإسلامي للتنمية للتنسيق بين الهيئات والجهات الوقفية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، وتشجيع إصدار التشريعات والآليات وطرح الصناديق الاستثمارية التي تحقق أهداف الوقف وإدراجه ضمن منظومة المؤسسات الإدارية العصرية المتطورة، بالإضافة إلى إصدار تقرير سنوي يوثق الوضع الوقفي وتطوره في البلدان الإسلامية، تحقيقاً لمبدأ الشفافية في التعامل المستقبلي مع هذه المؤسسات الحضارية، وكذا إيجاد مركز أبحاث يُعنى بأمور الأوقاف وإعداد الدراسات عن مستجدات الوقف، وتقديم الإرشاد والتوجيه الشرعي والاقتصادي لمن أراد من المسلمين أن يوقف وقفاً ما.
كما طالب بالعمل على نشر الثقافة الشرعية والحضارية تجاه الوقف وتوسيع مفهومه حتى لا ينحصر في العقار فقط، فقد كانت العقارات هي الوسيلة الوحيدة المعروفة في الزمن الذي نشأ فيه الوقف، ولكن الأمر تبدل واتسع فأصبح هناك وسائل عديدة من مشروعات زراعية وصناعية واجتماعية، ونشر ثقافة الوقف وذلك بعدة صور، منها: نشر أمهات الكتب وأدبيات الوقف الفقهية والحضارية وطباعتها إلى جانب الاستمرار في عقد الندوات العلمية وطرحها بشكل موسع ومتتابع ومتجدد بحيث تكون المشاركات من دول العالم الإسلامي وعدم قصرها على المستوى المحلي، وطباعة أبحاث الندوات التي أٌقيمت عن الوقف في كتب وطرحها إلى الأسواق للبيع وعدم الاقتصار على التوزيع المجاني لها.
ودعا إلى السعي لمعالجة جوانب القصور في وضع الأوقاف الحالية من خلال إصدار التشريعات التي تحفظ حق الواقف من جانب وتحميه من نوائب الزمن والطامعين من جانب آخر، كما تحفظ حق الموقوف عليهم وتضمين استمرار استفادتهم من الوقف كما أراد الواقف، كما رأى أهمية إبراز دور الوقف الاجتماعي في النهضة الشاملة للأمة الإسلامية وطرحها عبر القنوات الإعلامية، مع التركيز على ضرورة التنوع في مصارف غلال الأوقاف، والتركيز على المتطلبات الاجتماعية الماسة للمرحلة القادمة، ووفق حاجات المجتمع التي تسد الثغرات الاجتماعية التي لا تنشط فيها الأجهزة الحكومية.
واقترح تحويل عمليات الوقف من مبادرات فردية إلى عمل مؤسسي منظم من خلال إنشاء صناديق وقفية متخصصة يندرج ضمنها الأوقاف القائمة حالياً، وما يستجد من أوقاف في إطار واحد تحدده شروط الواقفين، وتكون وفقاً لحاجة كل مجتمع من المجتمعات، إلى جانب الاستفادة من خبرات الجمعيات والهيئات الإنسانية العالمية في مجال العمل الخيري والتطوعي المشابه للعمل الوقفي سواء كانت إسلامية أو غربية على أن يكون ذلك في ظل ما يوافق الأحكام الشرعية ولا يخرج عن حدودها المشروعة.