خطبة الجمعة: تلك الخطبة التي تلقى على المنبر يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة، وهي شرط لصحة الجمعة، وبه قال الأئمة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد -رحمهم الله تعالى-، ولخطبة الجمعة في الإسلام منزلة عظيمة فقد كان تشريع خطبة الجمعة في أعظم أيام الأسبوع، وجعلها أيضاً قرينة لصلاة الجمعة، وسابقة لها، بل ونسبتها إلى هذا اليوم الفضيل، وتسميتها بخطبة الجمعة من أول الدلائل التي تدل على مكانة هذه الشعيرة العظيمة، بل عد الإمام ابن القيم -رحمه الله- خطبة الجمعة من خصائص هذا اليوم الكريم، فلا خلاف بين العلماء أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وأنه خير يوم طلعت فيه الشمس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم عليه السلام، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) رواه مسلم.
ثم إن الله سبحانه وتعالى ندب لها، وذم من انشغل عنها بغيرها، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {9} فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {10} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (الجمعة 9-11)، فقد رجح الإمام القرطبي وغيره أن المراد بذكر الله في الآية: خطبة الجمعة.
ولقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى خطبة الجمعة بنفسه، فالإمامة والخطابة مهام اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاها بنفسه، وهذه مزية لخطبة الجمعة أيضاً، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يقعد، ثم يقوم كما تفعلون) رواه البخاري ومسلم.
إن المتتبع لمقاصد خطبة الجمعة يجد كثيراً من المقاصد السامية ومن ذلك:
1 - أن خطبة الجمعة من الدعوة إلى الله، قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل.
2 - وهي من البلاغ المأمور به، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بلغوا عني ولو آية..) الحديث رواه البخاري.
3 - وخطبة الجمعة فيها تمثل لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران.
4 - والتذكير مقصد آخر من مقاصد خطبة الجمعة، قال تعالى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (55) سورة الذاريات.
5 - التعليم والنصح مقصدان عظيمان من مقاصد خطبة الجمعة، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي بسند حسن.
وغير ذلك من المقاصد العظيمة من الدلالة إلى الخير، والتحذير من الشر، والاجتماع، والتعاون على البر والتقوى، والإصلاح، والتربية، وغير ذلك كثير، فخطبة الجمعة محضن عظيم، تتضمن كل ما فيه صلاح المسلم في دينه ودنياه.
* خطيب جامع الجهيمي بالرياض