جاء في ملحق آفاق إسلامية قبل الماضي حديث لعددٍ من أصحاب الفضيلة والمختصين عن تطوير الخطاب الدعوي، كما تحدثت في هذه الزاوية عن إسلام شخصيتين تحولتا من موقف سلبي معادٍ للإسلام إلى مسلمين يؤمنان بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، وبين هذين الموضوعين رابط كبير، ألا وهو «أسلوب الدعوة ووسائلها»، وبالذات إلى غير المسلمين.
لقد تباينت آراء المتحدثين في موضوعنا السابق إلى حد أن منهم من تحدث في غير الموضوع، وتطرق إلى أمور أخرى لا تصب في صلب الموضوع، وهناك من تناول الموضوع بعينه فأجاد وأفاد، وكذلك الحال بالنسبة للمتلقين، فإنهم سوف يخرجون بمفاهيم مختلفة حول موضوع تجديد الخطاب الديني وتطويره، وبالتأكيد فإن المفاهيم تختلف، فهناك من يريد تمييع الأسس والثوابت باسم التيسير، والتجديد، والتطوير، والمسايرة، وروح العصر، وهذا غير المقصود في تناولنا للموضوع، وإن كان هناك من يطالب به من المستغربين، وهم يتناسون أن الرسالة المحمدية عالمية الزمان والمكان لا تحد بوقت حتى قيام الساعة، ولا تحد بعالم دون آخر، بل هي للعالمين.. وفي المقابل فريق متوجس متخوف من هذا العنوان «تجديد الخطاب الديني» لأنه ينظر إليه بمنظار المستغربين وأهدافهم.
والرؤية السليمة لذلك تعني أن المقصود بالتطوير والتجديد هو في الأساليب، وفي الوسائل، والاستفادة من تطورات تقنيات العصر، فلا تجديد في الأحكام والمفاهيم الواردة في الكتاب والسنة، فالمسلم مسلم، والكافر كافر، والمنافق منافق، وأركان الإسلام ثابتة، وأركان الإيمان ثابتة، وأمور العقيدة هي هي، وإنما التجديد في وسيلة الطرح وأسلوب الطرح، ومراعاة أحوال المتلقين مكاناً وزماناً، حتى مع المسلمين أنفسهم، فكيف بغير المسلمين، فحديث في أروقة الجامعة مع طلاب قسم الفقه والعقيدة والسنة يختلف مع غيرهم، وحديث في يوم الجمعة يحضره مختلف الطبقات يختلف عن درس في أمهات الكتب يحضره طلبة منتظمون مع شيخهم، وكذلك الحال في الحديث مع المسلمين يختلف مع غير المسلمين أسلوباً وكيفاً.
وأما الجانب الآخر في موضوع التجديد والتطوير، فهو استخدام الوسائل الحديثة في الاتصال، كالفضائيات، والإنترنت، والوسائط الأخرى، ومع أهمية هذه الوسائل، وأهمية الاستفادة منها، فإن لغة الخطاب فيها يجب أن تكون مختلفة مع المجتمع المحدود، أو المعروف، لأن المتلقي عبر الوسيلة الفضائية من مختلف الأجناس والمذاهب والأهواء والأفئدة، فمنهم المتشوق، ومنهم المغرر به والمخدوع، ومنهم من لديه صورة ذهنية مسبقة مشوشة.. لقد استمعنا وقرأنا عن مسلمين جدد دخلوا في الإسلام عرض عليهم الدخول في الإسلام مرات عديدة، وقرؤوا عن الإسلام كتباً كثيرة، ولكن كلمات صادقة واضحة ومركزة وهادفة غيرت مجرى حياتهم، ومنهم من هداه الله عن طريق كتاب أو كتب بعينها، في حين أن أسلوب كتاب آخر زادهم نفوراً.
وفي دعوة غير المسلمين هناك أناس من أهل الكتاب، ومنهم من ليسوا كذلك، وأحوال المدعوين مختلفة، ولكل منهم ما يناسبه، فكما يختلف الحال يختلف المقال، ولكل بلد أو إقليم أيضاً خصائصه، فما يصلح في إفريقيا لا يصلح في أوروبا، وما يصلح في آسيا لا يصلح في أمريكا، ولهذا فلابد أن يكون هناك معرفة بحال المدعوين، وفي هذا اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أوصى معاذاً للدعوة في اليمن، وقال له: إنك تأتي قوماً أهل كتاب.. إلى آخر ما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم، والشاهد أن حال الدعوة في اليمن يختلف عن حالها في مكة والمدينة، فهم من المشركين، وهؤلاء أهل كتاب.
خاتمة :
توحيداً للجهود والتنسيق -وهذا وإن كان موجوداً- فإنني أتمنى التركيز عليه بدقة، وهو التخصص بحيث يتخصص مكتب توعية للجاليات في منطقة أو لغة، ويتم التركيز عليها إلى جانب اللغات الأخرى، ويكون هذا المكتب من المراجع الرئيسة في دعوة أهل اللغة، وترجمة كتبهم، وبهذا نضمن توفير الوقت والجهد، وزيادة التخصص تعطي المزيد من المعرفة والتركيز.. والله من وراء القصد.
alomari1420@yahoo.com