أطول المقدمات التأملية، وأبلغ الصمت ما يسبق الكتابة عن فقد!
فكيف والفقد ذو أبعاد متشعبة، ومفتوحة، وأبدية كأبدية الفقد؟!
زميلتي المربية الفاضلة المرحومة - لطيفة بنت فياض المحيسن!
رئيسة الإشراف التربوي، طالبة الدكتوراه في المناهج، منسقة مشروع العلوم والرياضيات!
من أين أبدا؟ وإلى أين سأنتهي؟!
هل أبدأ من أنك أول مسؤولة في تاريخ القريات تتبوأ موقعها وفق الضوابط والمعايير وبإشراك لقيادات من خارج الإدارة لنظفر بقيادة إشرافية استثنائية فأجمع الداخل والخارج على أنها أنت!
وبالتالي فإن من بوأك موقعك هو تميز موقفك في فكر ووجدان من شرفوا بإجراء المقابلة!؟
هل أبدأ من تنوع مصادر بنانك الفكري والتربوي بين الرياض معلمة، والحدود الشمالية مشرفة، والقريات رئيسة إشراف فأثريت بما تأثرت!؟
أم أبدأ بطموحك التوفيقي النادر بين عطاء وظيفي، واستزادة تعلمية، فتميزت موظفة، وتميزت طالبة دكتوراة في مناهج وطرق تدريس مادة العلوم؟ أم أتحدث عن لطيفة المحيسن منسقة مشروع العلوم والرياضيات ووجهنا المشرق فيه مع الوزارة؟! أم أتحدث عن القائدة التربوية التي آمنت أن التربية سلوك، فأبت إلا أن تنتصر لقيم التربية حزماً وعزماً وتشكلاً ذاتياً وتشكيلاً للآخر! جئت أيتها الزميلة بثقافة لم تهدها ثقافتنا، فمن الطبيعي أن يكون للتغير مقاومون! لكن ماليس طبيعياً هو جلدك وتحملك وتجاوزك وتطلعك لثمر وشروق الغد! لم نعهد أن ينتمي أحدنا لقيم المنظمة إذا تعارضت مع قيم المجتمع!!
فلم نستوعب قيمك على تميزها! لكنك استوعبت قيمنا على تقليديتها وضحالة الكثير منها!
كنا مرؤوسين ورؤساء نتصارع على الموقع، وكنت تصارعين للموقف!
كانوا يظنون عزمك خصومة، ولم يعلموا أنك كنت تخاصميننا من أجل إعطائهم فرصة أخرى قبل تطبيق النظام بحقهم! كانوا يلمحون شكلية مراقبتك، ولم يفلحوا بأن يلمحوا غياب معاقبتك، وأنك تعلقين رمحك حيث يراه أهلك من أجل هم عام هو التربية! لكل ما تقدم ولغيره الكثير الذي لا يمكن طرحه - وأرجو أن يكون في موازين عملك - فإن فقدنا لك فقدان، ومصابنا بك مصابان!
ففقد الزميلة التربوية الإنسانية فقد عظيم، ولكن ثغراً كنت أنت عليه وندرة من يسده مثلك إن لم يكن استحالته هو مصاب أعظم! لأن أثره يتجاوزنا إلى غيرنا ليمس جيلاً ناشئاً يحتاج - مثلك - من يوجد على كفها في مغسلة الموتى رقم محمول يتم الاتصال به من موقع المغسلة لتكتشف أنه رقم لمديرة مدرسة غطي الابتدائية - التي تدرس مساء لتفيدنا المديرة أن الفقيدة اتصلت بها قبل حادث السير بنصف ساعة تنبهها لسوء الأحوال الجوية، ولتعطيها صلاحية إخراج الطالبات وحفظ أرواحهن متى رأت أن في استمرارهن بالدراسة خطراً عليهن! تحتاج من يتجاوز موقفها الوظيفة للرسالة، وأحادية الرأي إلى المشاركة وعمل الفريق، ومركزية الذات إلى منح الصلاحيات! نحتاج - مثلك فقيدتنا - من تخرج من قيم القبيلة لقيمة الوطن وقيم المواطنة! عذراً فقيدتنا إن قصرت هذه الكتابة (الكيبوردية) السريعة عن قامة مكانتك، وهامة دورك، لكن خطبنا الجلل، ومصابنا المفاجئ بحادث السير الذي غيبك ورفيق دربك - رحمه الله - وأنت تلتمسين طريقك لمحاضرتك وعلمك عصر يوم الثلاثاء يلجم كل بليغ، ولكن نفرة الزملاء والزميلات وإجماع أهل القريات حاضرة وبادية على حبك والسير في جنازتك وجنازة زوجك يخفف شيئاً من الفاجعة لنلتقي يوم غد السبت على فقد حقيقي لدورك ورؤيتك وتحفيزك وتعزيزك، لكننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا:
?إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ?، نسأل الله أن يجعل قبرك وزوجك روضة من رياض الجنة، وأن ينقيكما من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يخلفكما في صغاركما محمد وشقيقه وشقيقتهما ولداً صالحاً يدعو لكما، وأن يرزقنا جميعاً الصبر والاحتساب، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
مدير إدارة التربية والتعليم للبنات بالقريات