Al Jazirah NewsPaper Friday  02/04/2010 G Issue 13700
الجمعة 17 ربيع الثاني 1431   العدد  13700
 

ورحل عنا رمز الإنصاف والصفاء والنقاء
إبراهيم بن محمد العبدالله الجميح

 

قال لي صديق: إن عدم القدرة على التعبير عند الفواجع دليل قاطع على قوة أثرها وعمقها.. وهكذا حالي عند فقدي رجلاً حبيباً إلى قلبي.. يمثل النور الساطع الهادي في أسرتنا.

في كل الأسابيع التي مرت علينا منذ وفاته - رحمه الله - وأنا أكتب محاولاً التعبير عن حزني - لكنني سرعان ما أمزق ما كتب لأنه دون حقيقة آلامي، وليس مطابقاً لما يتوقد من نار الأسى في وجداني، فالفجيعة أكبر.. والأسى الحقيقي أعظم ووصف سمات من فقدناه أدق وأصعب.

تلاقت فيه كل وشائج القربى وصلة الأرحام.. فتعددت عند فقده أسباب الحزن والآلام.. فهو عمي منزلة.. وهو صهري وجد أولادي.. بل هو أخي وصديقي، بيننا من العلاقة وصدق التعامل ما يجعله فوق كل صفات من أعرفهم في حياتي.

أبثه مصارحاً بآلامي حين لا أجد متنفساً لها. أحكي له بصدق أحزاني حين تغيم بظلامها على حياتي.. أشكو له أوجاعي، وما يعتلج في نفسي، دون أن يعرفه أحد غيره من أهلي أو أصحابي، وهو - رحمه الله - كان على نفس الشاكلة.. يكاشفني ويشركني في همومه وأوجاعه ويثق برأيي ومشورتي.

كان عمنا الشيخ عبدالرحمن عبدالعزيز الجميح - رحمه الله - الملاذ لكل ما يعن لنا جميعاً من أمور أو قضايا - فردية أو عائلية - فقد كان - رحمه الله - الميزان الذي لا تميل كفة منه لغير الحق، وكان صريحاً معنا جميعاً، لا يخبئ شيئاً نافعاً في قلبه إلا ويقوله، يقول الحق، ولا يجامل، وينصف بالعدل ولا يماري.

وقف معنا في كل أمورنا.. لم يتخل عن دعمنا في شيء حتى وإن لم يكن وفق ما رآه أقرب الناس إليه، لأنه مع الحق لا مع نزعات ذوي القربى، وإن اقتربت درجاتهم أكثر.

نعم.. فلقد فقدنا رجلاً كريم الصفات.. نبيل المشاعر، ورفيع الخلق، تميزت شخصيته بأجمل سمات المؤمنين، ولا أزكي أحداً على الله، فبجانب كونه من المحسنين، كان كريماً في خلقه وطباعه، وثبات المبادئ عنده، وإرضاء الرحمن في تعامله، وغير ذلك كثير من صفات المؤمنين الصالحين فلا أذكر - مع طول عشرتي وملازمتي له - أن أغضب أحداً، أو ظلم أو أساء إلى إنسان، فالإيثار كان أساس تعامله، وحب الخير، ومساعدة الناس، واحترام الكبير والعطف واللين مع الصغير، ورد المظالم كان طبعه، يكره الغيبة والنميمة والحسد، يتحلى بالبعد عن الكبر والصلف، بل إن النبل والتروي والتأدب هو ديدنه.

كان - رحمه الله - حريصاً على مداومة الاتصال والسؤال عن كل الذين يعرفهم بكل درجاتهم.

يقابل جميع الناس برحابة الصدر، والأريحية الصادقة النبيلة.

لقد كان فقيدنا - رحمه الله - واسع الاطلاع والثقافة والدراية في الأمور الدينية، والأحكام الشرعية، والأدب والتاريخ، لا يطرق موضوعا في مجلس إلا وتكون له مداخلة مفيدة نافعة، يفيض بها على مسامع الحاضرين من معرفته وخبرته، له مواقف إنسانية وعملية لا تنسى أبداً.

ولهذا فإن شيخنا وحبيبنا ترك من خلفه، بفضل حسن تربيته - أسرة خيرة صالحة، مع سيرة عطرة زاكية، ومن عرف فضله وكرمه وإنسانيته، وعايش طيبته وبساطته، وتلقى عونه وحرصه الصادق على قضاء حاجات الناس ومساعدتهم لن ينسى أبداً ذلك الوجه المبتسم المريح.. فلقد كان بحق الرجل الأنموذج لحسن المعاملة، ذلك أنه كان يبذل كل ما في وسعه لإرضاء كل من يتصل عليه في عمله أو في بيته.. فرحمك الله أيها العم والوالد، وابن العم، والصديق الغالي، الذي شدنا بفيض حبه وحلاوة منطقه، وسلاسة مقولته، وطيبة قلبه، وسعة صدره، وعمق ثقافته، وفيض كرمه، وصفاء نفسه، ونقاء سجاياه.

فإن كنت أيها العم الغالي قد رحلت عنا إلى مثواك الأخير.. إلى دار البقاء تسبقك دعوات الألوف لك بالرحمة والغفران، وأن تلقى ربك راضياً مرضياً.. فقد رحلت أيها الحبيب الطيب الغالي وأنت محمود السيرة، طيب الذكر، وتركت فينا معرفة معاني البر، وصلة الأرحام، والفضيلة والصلاح، فوالله لن ننسى أبداً كل ما رسخته فينا من كريم طباعك، ونبيل شيمك، وفائق إيثارك.. وجميل وفائك.

إننا مؤمنون، نحمد الله على قضائه وقدره، فالموت حق، غير أن فراقك أحزنني، وبعثر تفكيري وأبكي بحرقة عيني، وأدمى بوجع قلبي وقلوب كل أبنائك وبناتك وأهلك وأحفادك وأصدقائك وكل من عرفوك، فلقد كنت حليماً، رحب الصدر، عالي القدر في نفسي ونفوس كل من تشرف وسعد بالاتصال بك.

أدرك - يا فقيدنا الغالي - تمام الإدراك أنك الآن بين يدي الرحمن، وفي جنة الخلد - إن شاء الله - مع الشهداء والصالحين الغر المحجلين، ومن أوتوا كتابهم بيمينهم.

يا خليل الروح، وحبيب القلب.. إن المصاب بفقدك جلل، والألم شديد، أيها العم الفقيد الغالي، والفارس الذي ترجل.. فأنت الذي يصدق عليك قول الشاعر حين قال:-

الموت يختار النفيس لنفسه

كما نختار نحن فما اعتدى

قد نال منا درة مكنونة

كانت لأمثالها الدراري حسدا

كنز دخرناه لنا فاغتاله

لص المنية خاطفاً متمردا

غفر الله لك أيها الحبيب الغالي وأظلت قبرك سماء الرحمة وأمطرتك سحائب الغفران وأسكنك الله فسيح جناته، وخير عزاء لنا في هذا المصاب الجلل هو دعاؤنا أن يكون ممن يشملهم قول الله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). صدق الله العظيم.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد