إذا بحثت عن عدد المنظمات أو التجمعات الدولية في أي نشاط أو منتج معين فلن تجد عددا أكبر من ذلك المتاح للطاقة أو للنفط والغاز تحديدا؛ حيث يوجد عشرات المنظمات والهيئات الدولية العاملة والفاعلة والنشطة في مجالات الطاقة عموما والنفط والغاز خصوصا.. هذه التجمعات أُنشئت جميعها على التوالي بعد الصدمة النفطية الأولى عام 1973م، عندما استشعرت الدول المتقدمة بالخطر الكبير من جراء حدوث تهديدات من الدول المنتجة للنفط بقطع الإمدادات. فبعد التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المتسعة للصدمة النفطية الأولى ظهرت حاجة ملحة وعاجلة لإدارة أمن الطاقة، وبرزت على السطح ضرورة لإيجاد تعاون في سياسات الطاقة، أدت إلى إنشاء الوكالة الدولية للطاقة في عام 1974م. إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل أعقب هذه الوكالة تأسيس مجلس الطاقة العالمي، وكالة الطاقة الدولية، منتدى الطاقة العالمي، منظمة الطاقة لمنطقة البحر المتوسط، وغيرها. ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل تطرق إلى إنشاء العديد من الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة في مجالات الطاقة والبترول، وعلى رأسها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، والمعهد الفرنسي للبترول، وغيرها.
إن السؤال الذي يثير نفسه: مَنْ أنشأ وموّل هذه الوكالات العريقة؟ ولماذا هذا الإنفاق والاهتمام الكبير بالطاقة؟ بداية فإن الاهتمام بهذه المنظمات جاء من قبل الدول المتقدمة، وغالبا فإن محور الاهتمام جاء من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وكلاهما يعتبران مستوردان صافيان للطاقة. ثانيا، فإن غالبية الوكالات الدولية للطاقة رغم أنها بدأت في سياق الاهتمام بمصادر الطاقة كافة، إلا أن الحقيقة التي لا شك فيها أن الاهتمام الحقيقي هو بالنفط والغاز.. أي أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة مركز الاهتمام بهذه الوكالات يعدان مستهلكين وليس منتجين للطاقة، فلماذا يهتم المستهلك بنشاط أو منتجات هو لا ينتجها أو لن يصدرها؟ إن الإجابة تتركز في ندرة منتجات الطاقة الرئيسية «النفط والغاز»، وهذه الندرة يمكن أن تقود إلى احتكار، وهذا الاحتكار لن يؤدي إلى تهديد اقتصاديات الدول المستهلكة فقط، ولكن تهديد أمنها القومي أيضا.. لذلك، فقد وعت الدول المستهلكة هذه الحقيقة جيدا بعد الصدمتين النفطيتين الأولى والثانية، واتخذت الخطوات كافة لترسيخ التعاون في سياسات الطاقة.. كل ذلك يعتبر جيدا ومقبولا، وبخاصة أن الوكالات الدولية أصبحت تنفق وتستثمر في مجالات تقديم وابتكار تقنيات حديثة للتنقيب والاستكشاف والاستخراج للنفط والغاز.. ولكن الأمر غير المقبول هو عدم وصول اهتمامات الدول المنتجة إلى درجة مشاركة الوكالات الدولية في هذه الأبحاث والتقنيات، فحتى الآن لا توجد مراكز أو معاهد بحثية في الدول المنتجة تنال الاهتمام العالمي في مجالات النفط والغاز أو الطاقة عموما.
أما المجال المهم في مجالات التعاون بين الدول المنتجة - المستهلكة للنفط والغاز فهو مجال بيانات الطاقة؛ حيث إن الدول المنتجة تعتمد بشكل شبه كلي في الحصول على بيانات الطاقة على الوكالات الدولية، وموضوع البيانات في الطاقة عموما والنفط والغاز خصوصا يعتبر في غاية الأهمية؛ لأن هذه البيانات ترتبط بجوانب مهمة للغاية، على رأسها تقديرات حجم الاحتياطيات والمخزون وغيرها؛ وبالتالي يرتبط بها تحديد سنوات ذروة وسقوط الإنتاج أو تحديد متى سينضب نفط هذه الدولة أو ذاك؟ كل هذه البيانات لا توجد لها تقديرات في الدول المنتجة، بل هي تتلقى تقديراتها من الوكالات الدولية تقريبا.. إن الاعتماد على الوكالات الدولية في هذه الأمور يعرض الدول المنتجة لمخاطر عدم الدقة من قبل هذه الوكالات - إن رغبت - في تقديم بيانات أو معلومات غير دقيقة لأغراض من هنا أو هناك.. لذلك، فإن التعاون في المجالات كافة مقبول، إلا أن هناك جانباً ينبغي أن تمتلك فيه الدول المنتجة قدرا من الاستقلالية، وهو جانب البيانات والمعلومات.
د. حسن أمين الشقطي- محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com