من المفارقات العجيبة ألا يرى بعضهم جدوى في تقديم إعانة للعاطلين عن العمل بحجة أن ذلك ربما أنتج اتكاليين أو متطفلين كما قال أحد المسئولين، في حين لا نرى هذه الحجة تساق في جانب منح الأراضي وحتى السكن وقروض البناء، فهل هناك فارق بين الحالتين ؟
الواقع أن هناك فعلا فارقا كبيرا بين الحالتين، ففي الحالة الأولى، أي إعانة العاطلين عن العمل، وبصرف النظر عن أنه حق مشروع، فهو أيضا يأتي بنتائج إيجابية وخادمة بشكل عملي وفعلي للأمن والاستقرار الاجتماعي، إذ إن حجم ومدى استمرار هذه الإعانة ومسار نموها أو انخفاضها، يكشف بجلاء سلامة وقدرة توجه خطط التنمية في توطين الوظائف من عدمه، في حين أن تقديم منح الأراضي مجانا أو منح السكن أو قرض البناء، ليس إلا كرما ورأفة من الحكومة تجاه شعبها وهو أمر يحتاج إلى توقف وتمعن.
تكرمت قناة الاقتصادية السعودية باستضافتي مشكورة، وطرح علي مدير اللقاء مقارنة في التملك الإسكاني بين المملكة العربية السعودية والدول المجاورة، وعندما أجبت أن نسبة التملك في السعودية والبالغة حوالي 22% ربما تتجاوز نسبة تملك الإسكان في دول الخليج العربي مجتمعة، بدا لي وكأنه لم يقتنع.
وأضيف هنا وأقول: إنه و برغم أن بعض دول الخليج تقدم الأرض والقرض وحتى السكن بل وحتى الأثاث، إلا أني أعتقد أن ضرار هذه السياسة أكثر من نفعها، فهي في النهاية تنتج شعبا مستهلكا ومتواكلا على كرم حكومته، وما يستحق التأمل والتوقف، هو في من يضمن ديمومة هذا الترف واستمراريته ؟ بل إن من يتعود على مثل هذا الكرم، قد لا يستغرب أن يأتي يوما فيطالب الحكومة أيضا بتوفير الماء والكهرباء مجانا !!
إن سلامة بناء وتنفيذ خطط التنمية هي التي توفر قدرة الفرد على تملك السكن، وإن عجز هذه الخطط عن توفير هذه القدرة للفرد، لا تعالج بحرق المستقبل لبناء الحاضر, بل بإعادة النظر في هذه الخطط وتصويبها وتصحيح ما فيها من ثغرات لتجعل من الحاضر قاعدة لبناء المستقبل، فالأصل هو أن توفر الحكومات لأفراد شعبها فرص الكسب.
وكلما كانت هذه الفرص مبنية على خطط تنموية صحيحة، كانت قدرة الأفراد على الإنتاج، لهم ولبلادهم، أمتن وأقوى على الديمومة والاستمرار وأكثر أمنا وحفاظا على صورة مشرقة للمستقبل.
وإذن فإن صرف إعانة للعاطلين عن العمل، في اعتقادي مقدم وبشكل كبير على منح الأراضي للقادرين على بنائها أو تقديم القروض لمن يملك أرضا أو توفير السكن لمن عجز عن تملكه، فهذه كلها ليست إلا معالجات لا يمكن لها أن تستمر إلا بضمان استمرار وفرة الإيراد السنوي للدولة، وأجد أن من الصعب المراهنة على إيراد نفط أو غاز متقلب الأسعار وقابل للنضوب.
وأخيرا، فإن مخصص الإعانة للعاطلين عن العمل، وهو سيمثل التزاما على الموازنة السنويةكعبء تتحمله نتيجة قصور في بناء أو تنفيذ خطط التنمية، سيكون بمثابة المحفز والباعث على تصويب هذا القصور للتخلص من هذا العبء، وستكون نتيجته في النهاية توفير فرص الكسب للأفراد لتمكينهم في النهاية من توفير أساسياتهم وضمان الحياة الكريمة، في مسار تنموي صاعد بتكامل متناغم في النمو بين أفراد الشعب وحكومته.
Hassan-alyemni@hotmail.com