في هذه الأيام ظهرت بوادر لا تبشر بخير وهي التعجل في الفتوى وإصدار فتاوى غير مدروسة ضررها أكثر من نفعها فكأنَّ كل من أخذ الدكتوراه صار عالماً لا يجارى ولا يبارى وصار من حقه أن يفتي وأن يخرج كل ما يجول في
رأسه لا يهم جلب مفسدة أو مصلحة المهم أنه يستطيع أن يصدر فتاوى وهذه هي والله الطامة الكبرى فنحن بحاجة إلى إعادة نظر في هذا الكم الهائل من الفتاوى ثم إننا بحاجة إلى عقل وورع يمنعان من التعجل والتهور.
ولم نر تعجلاً في الفتوى مثل ما في بلادنا ولم نر تهوراً في الفتوى مثل ما نرى في بلادنا ولم نر فتاوى شاذة مثل ما نرى في بلادنا بلاد الحرمين وقبلة المسلمين تقدم في الفتوى يسابق الزمن بعد أن عرف عنا التريث والتعقل في الفتوى.
فالكل يفتي والكل يحلل ويحرم. هل بعض المعاصرين هم أنصار السنة والسابقون ليسوا من أهل السنة ألا نستحي من الله ثم من الناس.
عندنا قضايا فقهية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة نزل الوحي وانتهى واجتهد الأئمة عصراً بعد عصر ثم يأتي في هذا العصر من ينكرها هل الذين تركوها خانوا الأمانة وهل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة.
في كل يوم تصدر فتاوى تخالف ما عليه أهل الإسلام علماء وعامة ولا قائل بها من الصحابة ويمضي أربعة عشر قرناً ثم يأتي من يستدرك على الرسول صلى الله عليه وسلم.
فتاوى لا يصدقها العقل لقد كنت في حج 1397هـ أشارك في الإشراف على مجلة التوعية الإسلامية في الحج وكان في الحج معنا رجل لا أتهمه في عقله كان يتفوه بكلمات فوجئت بأنه دونها لتنشر في مجلة توعية الحج ولكني لم أنشرها آنذاك وهي تتضمن عزل الرجال عن النساء في المطاف وإلى اليوم وأنا أكذب نفسي وأقول لا يمكن أن تصدر هذه الفتوى.
والآن نسمع بأنَّ هناك من صدر نفسه يقول إن حول الكعبة اختلاطاً محرماً ويجب فصل الرجال عن النساء ووالله لا أزال بين مصدق ومكذب لأنني لا أظن عاقلاً يفكر في هذا وأسأل الله أن تكون مكذوبة وأنه يتحتم إنكارها إن صحت.
فلقد كان بعض النسوة في الجاهلية يطفن عريانات وكانت إحداهن تردد الأبيات المشهورة يعرفها من له اختصاص ثم جاء الإسلام وطهر الله البيت الحرام وطاف الرجال والنساء في احتشام هذا بجوار زوجته وهذا بجوار أمه وهذا بجوار أخته ودعا القرآن الكريم والمصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الفضيلة ونبذ الرذيلة باحتشام النسوة وبقي الناس على هذه الحال أربعة عشر قرناً مرت على صحابة وتابعين وفقهاء وأئمة الإسلام فما تكلم أحد فيما يسمى اختلاطاً حول الكعبة المشرفة ولو كان هناك شيء لبينه صلى الله عليه وسلم.
وإن كنا في عهد هذه الدولة السعودية المباركة نجد عناية ليس لها نظير بالحرمين ومن حيث العناية والمراقبة الشديدة بآلات التصوير الدقيقة ورجال ونساء يراقبون المطاف ويراقبون المنحرف إن وجد إذاً الدولة لم تقصر.
ويا ليتنا نحرص على تربية بناتنا وأبنائنا على الفضيلة لأننا إذا وصلنا إلى مستوى المناداة بفصل الرجال عن النساء في المطاف فإننا بهذا أهنا والله هذا المكان الشريف وكأننا نقول لأعداء الإسلام إن الحرم والطواف مكان للقاءات مشبوهة وتؤدي إلى الفسق والكبائر وهل يقول بهذا عاقل. لا أظن لا أظن.
أمَّا إذا انطلقنا من قاعدة سد الذرائع فإنه باب خطير ليس كل يحسنه فإنَّ هذه القاعدة لا يعرفها ولا يعرف حدودها إلاَّ من أمضى عمره في الفقه والتفقه والقراءة والمناقشة والمحاورة.
www.alismaeil.com