في لقاءات الإيوان التي تعقد طيلة أيام انعقاد معرض الرياض الدولي للكتاب نوقشت قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، وعلى الرغم من أن هذه القضية مستهلكة وقد سبق وأن طرحت كثيراً، وتناولها الكتاب، والصحف ووسائل الإعلام من خلال التحقيقات الصحفية، والنقاشات المختلفة حول هذه القضية، وبات هناك شبه اتفاق أن هذه القضية قضية اجتماعية بالدرجة الأولى وتخص المجتمع وهو القادر على اتخاذ قرار حولها من عدم ذلك، وهذا ما تؤكده القيادة السعودية التي لا تقف ضد أمر يكون فيه مصلحة للمجتمع، مما جعل الملك فيصل رحمه الله، منذ ما يربو على نصف قرن من الآن يؤكد لأبناء القبائل عندما قررت الدولة أن تفتتح أول مدرسة بنات، أن المسألة خاضعة في نهاية الأمر لرب الأسرة فالذي يرغب في أن يدرس ابنته فيفعل، الذي لا يرغب فهذا الأمر يعود إليه، لهذا كان أمر قيادة المرأة للسيارة مسألة اجتماعية، وقرار المجتمع نفسه، وعلى الرغم من الفارق الشاسع بين قيادة المرأة للسيارة وبين تعليم البنات - الذي اتخذ فيه قراراً جريئاً من قبل القيادة الرشيدة في ذلك الوقت - ذلك لما له من فوائد واضحة على بنات المجتمع التي اتضحت آثارها في وقتنا هذا، ظل مثل هذا القرار على علاقة أيضاً بالمجتمع، عندما يجعل الملك فيصل الخيار للأسرة في تعليم بنتها من عدمه، وفي الوقت ذاته شجاعة الملك - يرحمه الله - ورغبته في تطوير المجتمع وأبنائه إبان تلك الفترة كانت سبباً في القيام بفتح مدارس البنات حتى لو كان في ذلك إغضاب لبعض أبناء القبائل، أو بعض المحافظين - التي جاءت وجهة نظرهم - مبنية على حرصهم على مصلحة المجتمع كما يعتقدون.
أما قيادة المرأة للسيارة فإنه رغم الخلاف على هذا الأمر من قبل المحافظين الذين لا يؤيدون ذلك، وبين الكتاب وأصحاب الفكر الجديد الذين ينادون ويطالبون بهذا الأمر، هو في الأساس قرار اجتماعي، وفي نهاية المطاف يرى أصحاب هذا التوجه بأنها مسألة وقت، كما أشارت إلى ذلك الكاتبة والشاعرة الكبيرة الدكتورة ثريا العريض إبان تعليقها على الحوار الذي دار، لأن المجتمع في نهاية المطاف سيقبل بالتغيير بكل أشكاله، بما لا يتعارض مع عاداته وأعرافه ودينه، لكن الذين يخشون التغيير ويرفضون قيادة المرأة للسيارة هم أنفسهم الذين رفضوا تعليم المرأة، وفتح مدارس للبنات في زمن مضى، وهم أنفسهم الذين رفضوا المذياع والتلفاز عند دخوله إلى المملكة، وهم أنفسهم الذين رفضوا الستالايت والقنوات، وأشكال من الاتفاقيات الدولية المبرمة بين المملكة والدول الغربية، هل يعني ذلك أن نظل معزولين عن العالم، المسألة ليست كذلك لأن أصحاب هذا الفكر مغروسة في أنساقهم، وإطاراتهم الفكرية سياسة المنع، والرفض، ولن يتوقفوا عن ممارسة الرفض لكل جديد، ما داموا يتشبثون بطريقة تفكيرهم في الإطار نفسه، يجب أن ندرك أن الحياة تتجدد وتتغير كل يوم، بل كل لحظة وكل ساعة، وبينما الرفض مستمر فإن القبول في الاتجاه الآخر يقع، وفي نفس الوقت يصبح أصحاب الفكر الرافض هم أنفسهم من يسارع إلى تطبيق الأفكار التي كانوا يرفضونها، مثل تعليم المرأة، وتقبل المذياع والتلفاز وغير ذلك، والعلاج يا سادتي في سياسة التعامل مع التجديد، وليس رفض الجديد برمته، دون أن يكون هناك مبرر يستدعي ذلك، فالتعاطي مع الجديد سنة من سنن الحياة، لأن أي دولة أو مجتمع مدني معاصر لا يمكن له أن يكون معزولاً عن العالم في ظل السياسة العالمية التي أصبح التمازج والتعاون، سمة من سماتها، وربما نصل يوماً إلى درجة من درجات التماهي مع الآخر - رضينا أم أبينا - وهي طبيعة تلتزمها الظروف المعاصرة والواقع الجديد الذي بدأ بعولمة كل شيء في حياتنا، من الملعقة والشوكة إلى الطائرة، إلى التعاملات المالية، إلى أنظمة المرور ثم الأنظمة الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، وسياسات منظمة التجارة الدولية، فأين ستذهب إذا لم تكن قادراً على التأقلم مع الواقع الجديد، والتكيف مع المستجدات، فالسياسة التي ينبغي اتباعها هي القدرة على التأقلم والتكيف مع الجديد، وصبغه بالصبغة المحلية، وتكييفه بما يتناسب مع العرف والدين والعادات، وستكون هذه الطريق هي الأجدر من سياسة وآليات المنع والحجب، والرفض.
Kald_2345@hotmail.com