ثمة زهرة تنبت وحدها في غصن يتيم، لشجرة اجتُثت عن عروقها، فروعها وأغصانها,..بقيت للشمس تسالم الضوء، وللقمر تسامر الدمع,... وجيش من الأحلام يعسكر عند مرفأ التربة تحتها، وهي تمد مجداف آمالها، لسفينة أحلامها، تمخر في صمت، فوق صفحة نهر, لا يُغرقها، بل يحملها قاربَ بهجةٍ, لأحزان اللاجئين لشاطئه, يرسلون مع موجاته نداء العطش، ولصفحاته تأمل اليأس.., ...
زهرة نمت، ما كان في مخيلتها أن تكون ابنة الخضرة، ونداء الرواء، إلى أن تعرفت آهة المكلوم، وسمعت ضجيج المقهور، وأيقنت بمدِّ الماء، وجزره...
زهرة، حاكت من الدمعة ثوب عرس، ونهضت للطبول عند مبتدأ الصبر، ووشمت الدرب بخريطة المسير، واتفقت مع الخطوة على المسار.., وحين داهمها الليل، انكفأت تلملم المدى مفتاحاً لتطرق الصبح، حين البائسين يتضورون جوعاً للأمان، أمطرت من النهر على خوفهم، واستوت بوصلة للمفاتيح،..وحين الضائعين يتخطفهم اليأس، أهدتهم منهاج الماء، كلما تكلست أقدامهم، أعزت للجداول، فاغتسلوا يتطهرون،.., زهرة.., ما انتصبت حارسة ندية عند حلقة المضيق، إلا انفرجت بها أزمات الكُرب..,..
زهرة، ما قدرت على مدها ريح، إلا تغير اتجاهها.., زهرة في مدائن المطر غيمة.., وفي مراتع العبق عطر، وفي مدى النهر مجداف وفنار..,
ثمة بصيص من قبسها، وتنفرج النوافذ، ويعلو أذان الديكة، وروائح الأرغفة تشي بوقيد الأفران في سواعد الناهضين للدروب..
زهرة المدائن الندية.., والنهر المنساب، والشجرة الوارفة بها، حلمكِ نوَّارة يمخر الماء..!