إذا صدقت الدول النووية ودمرت مخزونها الذري من الصواريخ والقنابل بدل أن تلقيه على رؤوس عباد الله، وإذا لم تقم حروب مدمرة كالحربين العالميتين الشهيرتين الأولى والثانية في القرن الواحد والعشرين، تآكل البشر قبل الحجر خارج نطاق الدول القوية.
وإذا لم (تزعل) منا - لأي سبب - المصانع الغربية، واستمرت في تصدير اختراعاتها الهادفة إلى راحتنا ورفاهيتنا مقابل ما في جيوبنا نحن الفقراء الذين يسموننا خجلاً «الدول النامية» بدل «الدول النايمة».
وإذا لم نتحدَّ علماء «برّه» (باحتضان فعالياتنا العلمية وإنتاج اختراعاتها وتصديرها كما يفعل سائر خلق الله)، واكتفينا باختراعات الأجانب (كعادتنا منذ قرون) وجهودهم، لا «محبة» بهم وبما يفعلون بل لأنهم «يتعبون» من أجلنا و»يضحون» بحياتهم في سبيل سعادتنا؛ فلا داعي لكي «ينقزوا» منا.
وإذا استمررنا في خلافاتنا التي أثبت «العلم» العربي الحديث أنها تعود بالفائدة الكبيرة على صحتنا وعقولنا فهي «تنشط» خلايانا ودوراتنا الدموية؛ مما يسهل مهمة الأجانب في أبقائنا أحياء قدر الإمكان.
إذا تحقق كل ذلك ولم يختلف العرب على مَن يشرب إكسير الشباب الموعود أولاً، فلا شك أن أبناءنا (تقريباً) وأحفادنا (بإذن الله) سعيشون حتى عام 2050 حيث تنتظرهم السعادة والقوة والصحة والشباب.
يقول العلماء إنه في عام 2050 سيبدو ابن الثمانين في قوة وصحة وجمال ابن الأربعين، أما السبب فهو ما ستحققه الخريطة الجينية، من إمكانات هائلة في تحقيق تغييرات أساسية في جسم الإنسان، من خلال القدرة على التلاعب بالجينات واستبدال التالف منها بالجديد غير المستعمل، فضلاً عن القدرة المتوقعة للأطباء العلماء في اكتشاف الأمراض، خصوصاً الخطيرة منها، قبل ظهورها بسنوات؛ مما يسمح بالتصدي لها ومعالجتها قبل الاستفحال.
ماذا يعني التحكم في الجينات؟
إنه يعني ببساطة تحويل الإنسان من حال إلى حال.. المريض إلى صحيح.. والبشع إلى وسيم.. والضعيف إلى قوي، لكننا لا نعرف إذا ما كانت هذه الجينات ستشمل أيضاً صفات أخرى كتحويل البخيل إلى كريم، واللئيم الخبيث إلى نبيل شريف.. ولا تعرف أيضاً إذا ما كانت ستستطيع تحويل الفقير إلى غني، والجبان إلى شجاع، والكاذب إلى صادق.. إلخ.
أي مجتمع سيكون عليه مجتمع عام 2050 في حال تحققت كل تلك التوقعات؟ تخيلوا مجتمعاً عالمياً جميع أفراده يتمتعون بكل الصفات الحلوة؛ الصحة والقوة والجمال والنبل والكرم والصدق والشجاعة.. إلخ.
هل يمكن لهذا المجتمع أن تكتب له الحياة؟ مَن (سيتخانق) مع مَن؟ مَن سيكذب على مَن.. إلخ.
تخيلوا أيضاً مجتمعنا العربي وقد أصيب بهذه العدوى؛ فأصبح العرب يداً واحدةً وقلباً واحداً يربطهم فعلاً مصير مشترك واحد.. لا حسد فيه ولا غيرة ولا نميمة ولا خوف ولا تهافت، لا على كرسي ولا على غنيمة.
هل كل هذا أضغاث أحلام؟
لا.. جزء كبير من هذا الكلام يسعى العلماء إلى تحويله إلى حقيقة، ومَن يدري فقد يأتي يوم نشهد فيه قيام شركات تتاجر بالجينات.. وقد تباع الجينات بالتقسيط، وربما بلا دفعة أولى كما تفعل معظم الشركات التجارية اليوم لاجتذاب الزبائن.
لا أحد يمكنه توقع ما سيحدث في الخمسين سنة المقبلة، لكننا وقد بلغنا أعماراً قد لا تسمح لنا باللحاق بكل تلك الإنجازات ويكتفي بعضنا عن قناعة حتى الآن بستر عيوب الزمن على وجهه بما تيسر من أدوات التجميل التقليدية «الأجنبية» فإننا لا نملك إلا أن نأمل فقط أن لا يدفع أبناؤنا أو أحفادنا أو أحفادهم غالياً، ثمناً لذلك الكم من السعادة المرتقبة في مجتمع آخر زمن.
alfrrajmf@hotmail.com