أقبلت حين رأت قامتي.... صافحت ذوائب الشمس... طالعت صوب (الثغرة).... لا أحد....
أنصتت... لا صوت... وقفت.. تتوكأ تحية الصباح.... تشم مفردات منذ زمن لم تسمعها... مات من اعتادت سماعها منه. فقد غادرتها وجوه ووجوه.
قالت لي:
أعطني ناي الوجع... وسامر الليل أنت وحدك...قد تجد من ينادمك. أطلق آهاتك في فضاء السكون... قد يؤنس المتوحش صمته.
خطوة.... تلو خطوة.
الصباح يأتي مثل صباحاتها التي تعودت أن تأتيها.... بلا قلق... دون ضجيج... دون صخب.
في صباحاتها.... لثغة الملح.... نكهة الملح.... وقصيد يكسوه الملح..
مضت.... في طريق يشحذ من أقدامها أن تُجود بالخطو أكثر... أن تسير.. أن تعاند التعب... وأن تقهر الإجهاد...
لم تعاتب.... لم تسأل عن الآتين....لم تعر الغادين.. لم تمنحهم تلويحة من كفها... همها أن تعيش الحياة.... لا فرق... لا فروق... بين من جاء ومن غادر. كلهم في الهم (شمال)... كلهم في الحزن سواء.
قلت لها... ومن للنخيل إذا مضوا....؟؟؟ من للغيد إن رحلوا؟؟ ومن للدار إن هجروا؟؟؟ من يمنح الأرض حضورها؟؟ ومن يعطي للصباح نكهة القهوة؟؟ ومن يوشح المكان بزغاريد القدوم؟؟ ومن يوقد النار لتباشير فجرنا؟؟ ومن يقبل الشفق حين يطل من عتمة الليل؟؟ ومن يوقظ الطريق من غفوة الخطى؟؟؟
مضت حين لم تجدِ وقفة انتظارها. مشت حين أدركت أن انتظارها للذي سيأتي... إنه لن يأتي وإن جاء فلن يوقد شموع فرحها.
(2)
أن تستدير للأمس الذي لن يعود... تفتش عن بقايا صورة... ملامح لأشيائها التي ذهبت في عاصف رملي لم يدع العيون ترى ما حمل معه.
تدحرجت من مآقيها دموع وتهدلت جفون الهم وتشابكت أصابع الكف. تعارك الوجع بين الحروف المسرجات وحبر السطور.
أماتها الحالمون... وأدوا فرحها بحلم لم يأتِ. تركوها وحيدة تنادم الأطلال... تشاكي الذكريات... يتّموها...
قد حملت رأسها على كفيها... مدت النظر صوب الجادة... لعلها ترى من يأتي... من يغادر... تتفحص الوجوه... لا أحد يعرف من تريد.. من تقصد ومن الذي يستحق انتظارها له..
تترك المكان... تبتعد... صامتة... عند طرف الممر الصغير.. جلست... أدارت وجهها نحوي.. لتسألني... أما زلت تكتب لتطلق نورا... أما زلت تشعل القنديل لتكشف ستر الليل وتعري من ستره الظلام؟؟؟ لملم ما كتبت... اجمع قصاصات أوراقك..
امض إلى حيث تجد حروفك مرفأً لها... إلى حيث يستريح الحرف ويغرد في فضاء لا تتعقبه علامات الاستفهام... اكتب ما شئت فلن تنال من صمتي إجابة.. ولن تحدث في ّ ما يغيّر حالي...
مسافات:
عام مضى.. وعام يأتي.... أيام مضت... توارت... خلف ذاكرة الليل.. حفظتها الأيام... وتوسدها ليل وليل..
أيام أبكتنا بصمت... لوعتنا بصمت... جددت الجرح بجروح..
مضيت في طريقٍ.... باعدت بين خطانا مسافات الطريق..
أخذك ليل... واعتقلتك أهدابه... وخبأك الهاجس...
اليوم لا ألقاك... لا همسة تجيء ولا سرور يأتي... لم يعد من صوت يطربني غناؤه. ولا لحن يدغدغ لوعتي ولا موال يشحذ دمعتي فتستجيب له المآقي..
كنت كما سحابة... مرّتني.... أروت رياضي... علّتني بديمها..
كما غيمة ظللت عمري أياما...فرحت بها.... سجدت لله شكرا وحمدته...
كنت سحابة أمطرت فأنبت الروض... وتمايل الغصن وترنم الشحرور. فمضيت إلى ...................!!!!
ما زلت أشم رائحة عطر الليل فيك. وأشم عبيرك مع زفرات الليل وهو يتألم من بعدك وأستنشق نقاء الليل من طيوب عودك. ما زلت أرى طيفك بين أطياف حلمي الموؤد... كل شيء تريده أن يستحيل إلى ...... ركام.. ذكرى... كل شيء بعدك.. صامتا... لا قلب يضحك لا ابتسامات تجيء ولا خفقة تستريح بين الضلوع..
كنت والليل والقمر والذكرى وصوتك والدمعة الحرّى مني ومزماري وأشيائي وصوتي الجريح.
من يلم أشتاتي... من يطبب أوجاعي... من يضمد جراحاتي.. من يجمع أيامي المتناثرة وهل يأخذ العمر بُعدك... من يمسح الدمعة... ومن يجترح الآهة عني؟؟؟ متى تعود شمسك؟؟؟ متى تشرق بالضياء؟؟؟ متى تنير سمائي وتأتي بالمنى...؟؟ أشك أن تشرق شمسك... أن تنير عتمة مكاني.
ما زال فارسك يبكي هذا الغياب. أن تحملني الأيام كي أسأل عن زمان ضاع منا... عن أيام أُخذت عنوة. أشتهي أن يأتي الجواب من صوتك... من صمتك.. وأسأل من ياترى قد أيقظ فيك هذه الهواجس؟؟.. من سرق ترانيمك؟؟؟ من بدلك..؟؟ أنا لن أعاتب... لن أكرر نفس السؤال.. لن أسمع تلك الإجابة فقد يعتاد القلب هذا الغياب... إن السنين تمضي بنا... والأيام ترحل وسنشعر معا بأن الخطأ جسيم.. وأن الفقد سيعيد التوازن على طريقنا وتأكد بأن ما جرى ستخطه الأقلام يوما وتدونه ضمن قائمة الغُيّاب.