لا شك أننا بوصفنا سعوديين محظوظون بوجود قائد بحجم ومكانة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - الذي يهتم بالثقافة والتراث، وهي ميزة لا يتمتع بها إلا القليل من قادة العالم، وخصلة من خصال الخير يتمازج معها حرصه - يحفظه الله - على جمع الأشقاء ولمّ شملهم جرياً على عادته السنوية كل عام في هذه الاحتفالية الثقافية.
وبفضل من الله ثم بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين أصبح مهرجان الجنادرية واجهة حضارية مشرقة للإنسان السعودي وللمملكة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وبات مناسبة يبرز من خلالها الإنسان لسعودي موروثه الثقافي والإنساني والوطني، ويحافظ عليه وينقله إلى الأجيال الجديدة، مستفيداً في الوقت ذاته من التطوُّر العالمي المعاصر.
وتحول الجنادرية إلى ساحة لتسليط الضوء على عالم يخشى أن تؤدي فيه العولمة إلى إضاعة الفرد لمعنى الهوية والانتماء، وإرث الأجداد وضياع التاريخ؛ فالاهتمام بالتراث المحلي يتجاوز مجرد المحافظة عليه؛ فالمهرجان يضع هذا التراث في بؤرة الاهتمام ويجلب المهتمين والخبراء من مختلف أصقاع الأرض لدراسته، ويتحدى العولمة التي يراد لها أن تطمس هويات الشعوب وتطغى على معاني الوطنية.
ومن هذا المنطلق كان مهرجان الجنادرية وسيلة من وسائل المملكة للحفاظ على تراثها الذي يتميز بالتنوع والثراء، وتوظيفه من أجل بناء هوية وطنية تتعامل مع معطيات العصر وهي مرتكزة على تراث وثقافة وماض عريق يحميها ويبلور هويتها، ضمن رؤية واسعة تبني وطناً متميزاً وقادراً على المنافسة.
وأضحى مهرجان الجنادرية ملحمة ثقافية وفنية وفكرية التف حولها الشعب السعودي؛ كونها نابعة من تراثه وأرضه وتاريخه المجيد، وثقافته الإسلامية السمحة، والقيم كافة التي جاهد من أجلها قادته وملوكه منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - حتى عهد القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز.
ومع بدايات مهرجان الجنادرية ظن المتابعون وقتها أنه حدث مؤقت يشهد بعض سباقات الهجن ثم ما يلبث أن يزول، ولكن بالرؤية الثاقبة بعيدة المدى لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - واستشرافه للمستقبل تحول الأمر خلافاً لما توقعه البعض ليصبح مهرجان الجنادرية نموذجاً للثقافة والتراث السعودي، وبات مكاناً يسعى إليه كل محب للتراث والثقافة وتنمية الإنسان، وعبر تاريخه الحافل جسدت فعاليات مهرجان الجنادرية قيم الصحراء، تلك القيم الإنسانية التي يتجلى فيها الصفاء والنخوة والشجاعة والشهامة، وخلال أيامه نسترجع ماضي الأجداد الذي ما زال منقوشاً في أفئدة الأهل من أجل مستقبل الأبناء.. والجنادرية ليس فقط حدث ثقافي وإنما فرصة للفخر والتباهي بماض عريق أمام بقية الثقافات، وجسر للتواصل الاجتماعي والتقاء العادات والتقاليد بين أفراد المجتمع السعودي.
وشهد مهرجان الجنادرية الكثير من التطوُّرات الفكرية والثقافية والفنية؛ ليصبح مهرجاناً عالمياً يتطوَّر عاما بعد عام بوسائل جديدة وبانفتاح أوسع على العالم والحضارات والثقافات؛ ما جعله يبرز كمَعْلم ومنارة حضارية، ويصل إلى مستوى عالمي إنساني رفيع، ويكتسب أبعاداً خليجية وعربية ودولية بتواصله واستمراره، ويحتل مكاناً بارزاً في أجندة كبار العلماء والمثقفين والفنانين على المستويين العربي والدولي، بعد أن أصبح ملتقى وموعداً ثقافياً دولياً منتظماً ومنتدى للنقاش الحر الهادئ وفضاء للحوار المسؤول بين العلماء والمفكرين والأدباء والمبدعين من مختلف بقاع الأرض، وفرصة سانحة للتواصل بين الثقافات والحضارات والحوارات، ووسيلة انفتاح على ثقافة الآخر وحضارته من خلال الدول المشاركة وضيوف شرف المهرجان، يتم من خلاله وعبر بوابته التعرف على ثقافات وتراث الدول الشقيقة والصديقة.
وهنا لا بد من الإشادة بالفعاليات والنشاط الثقافي المصاحب لمهرجان الجنادرية الذي يحظى بمشاركة أكثر من (400) مفكر وأديب من مختلف دول العالم ومن أبرز قادة الفكر في العصر الحالي، الذين قلما تتاح لهم فرصة التلاقي والحوار وتلاقح الأفكار في مناسبة مثل مهرجان الجنادرية.. علماء ومفكرون وقادة يناقشون على مدى أيام المهرجان العديد من الموضوعات والمحاور، من أهمها رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار والسلام وقبول الآخر، ومعوقات الحوار والسلام بين الشعوب.
وفي اعتقادي أن الجنادرية قد خطا خطوة أخرى في طريق النجاح والتألق بإعلان صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، نائب رئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان، إطلاق جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للتراث والثقافة، التي تقدم للباحثين والمهتمين بمجالي التراث والثقافة على مستوى العالم، يخصص لكل مجال مليون ريال، إضافة لشهادة وميدالية باسم الجائزة تقدَّم سنوياً ابتداء من الدورة القادمة للمهرجان إن شاء الله تعالى.
ومن دون شك فإن هذه الجائزة تمثل نقلة نوعية في مسيرة ومسار مهرجان الجنادرية، يبدأ معها مرحلة جديدة من مراحل التألق والنجاح لإبراز التراث والثقافة وتغيير أسلوب طرح المشاركين والضيوف من الإلقاء والعرض إلى المسابقة والمنافسة فيما يعمل ويقدم لنيل شرف الحصول على الجائزة.
وهنا لا بد من توجيه التحية لصاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية، والأمير متعب بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان؛ فلولا جهودهما الصادقة لما ظهر المهرجان بهذا الشكل الذي يليق باسم ومكانة المملكة وبشخص خادم الحرمين الشريفين الذي تمثل رعايته الكريمة للمهرجان وسام شرف للحرس الوطني وللمهرجان ودعماً لمسيرة الثقافة والإبداع في المملكة وفي العالم العربي.