Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/03/2010 G Issue 13698
الاربعاء 15 ربيع الثاني 1431   العدد  13698
 

كسفت شمسك أبا عبدالعزيز

 

لم يكن في حسباني ليلة الأربعاء 7-4-1431ه وأنا في السيارة وخارج المحافظة، أن رسالة الجوال التي أهم بقراءتها ستحمل عبارات تعزية، ولكن فيمن؟.. هذا ما استشكلته عند فتح الرسالة، قمت بالاتصال فوراً على مرسل الرسالة وهو ممن سلب الحكمة، ومن يسلب الحكمة فقد حُرم خيراً كثيراً، سألته لعله أخطأ في إرسال الرسالة! ولكن الأمر غير ذلك، بل وجه إليَّ عتاباً: ما تدري؟! قلت: لا! قال: عبد الرحمن العلي!، ترددت من الحيرة بين التصديق والتكذيب، أنهيت المكالمة وبدأت دقات قلبي بالسرعة، فذلك لا يعرف من يكون هذا الشخص في قلب من يحادثه، لم ألبث إلا عدة دقائق وانهال سيل الاتصالات مؤكداً ما أدلى به هذا الزميل، فـ(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

وانقضت أيام عهدك قائلة

لقيا الأحبة في جنان خالدة

توشحت الغاط بحزن الفرقة وألم المصيبة، وتنقبت نفسي بديجور الظلمة والألم، وانطوت أيامك أبا عبد العزيز، كنت فيها، نِعم المربي، ونِعم المعلم والأستاذ، ونِعم الشيخ الفاضل والأب الحاني، أحببت العربية بحبك، وأكسبتني طموحاً لم أكن لاكتسبه عند غيرك، رحلت وبعد لم أرتوِ ارتواء العطشان، لكن قلبي بحبك ريان، لم تزل رسم صورتك في خيالي، مبتسماً، ضاحكاً، حزيناً، منفعلاً وقلَّ ذلك..، لم تزل رسم حروفك أمام ناظري، في شرح معنى، أو توضيح غامض، لم يزل قريع صوتك في مخيلتي، شارحاً أو ضاحكاً أو ناهراً وقلَّ ذلك، رحلت وقد صاحب رحيلك صخباً لم يكن كهدوء حياتك وسكنها، فهنيئاً لك هذه القلوب التي أسرتها بجميل خلقك وطيب صفاتك، رحلت وقد أبقيت ذكراً خالداً، في قلوب محبيك والذكر للإنسان عمرٌ ثانٍ.

في خيالي رسم وجهك لم يزل

نقياً صافياً تموه بالذهب

حق للجميع أن يفجع بوفاة هذا العَلم، فأخلاقٌ قلما توجد!، قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان.. قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد، فأحسبه والله حسيبه أنه تقي القلب ونقيه، لا غل فيه ولا حسد، متواضع يرخي لك جنابه عند الحديث، سمح الفعال وصفي الخلال، يمشي الهوينا ولا يعجل، أخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) مسلكاً ومنهجاً، وإذا أحب الله عبداً نادى جبريل أني أحب فلاناً فأحبوه فينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيكتب له القبول في الأرض، وما شهود جنازته إلا دليلٌ على تلكم المحبة من الله سبحانه، تنامى حبه في القلب حتى جاوز الأفلاك والأجرام، لم يكن ليطلب خدمةً من أحد وإن كان فهي على مضض، ثم يراودك مرات طالباً منك أن لا تنشغل بأمره عن أمرك، وأنه ليس بالأهمية العاجلة، ويصر ويلح لحد الضجر، فما أطيبه! كثيراً ما يبدي استعداده لي لشرح النحو في أيام الاختبارات ويؤكد ذلك مراراً وتكراراً، حباً منه لي ورغبةً في أن ينشر علماً ويقدم خدمةً، فرحمك الله بواسع رحمته، وصبّرنا على فقدك.

فجع الجميع بموتك وانفجر

دمع المحب عذبا لا كدر

سيف صقيل أغمد، وعلم رفيع تخفض، ونور علم انطفأ، ونبع حنان تجفف، ومدرسة خلق انهدت، ونجم أدب هوى، وغصن فضل ذوى، وحسبنا أن آثاره في الخلق بادية، وحبه في القلوب باقية، صعدت روحه المطمئنة داخلة في مرضات ربها -بإذن الله- ?يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي?، صعدت روحه بعد أن نوى أداء صلاة المغرب في مركز مليح، لكن المنية حالت دون ذلك، فارق دنياه بعد أن كان آخر كلامه فيها أشهد أن لا إله إلا الله، كما يروي ابنه و(من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)، راجياً ربي أن يكون من أهلها.. رحل بعد أن أكمل منظومة العمل المستمر، (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، والحمد لله الذي وفقه لذلك.

آه ما أجمل ذلك الوجه النيّر، والثغر الباسم، وما أجمل تلك اللحية الهدباء وقد نثر عليها المغسل من دهن عوده وقد خالطها شيب الوقار، وما أجمل وجنتيه وقد غشاها وبيص المسك، وما أشد حزن من التفوا حوله بكاءً ودمع الخد جارٍ، وما في القلب من معانٍ أعظم لا تعبره المباني.

أعزي نفسي أولاً وزوجته وأمه وأبناءه ثانياً وعزائي لكم أنتم ثالثاً، وأسأله سبحانه أن ألقاه في جنان عدن خالدة عالية من حولها الأنهار جارية، قطوفها دانية، وعينها جارية، فيها النمارق المصفوفة، والسرر الموضونة المصفوفة المرفوعة.. بإذن باري البرية عالم الجهر والسرية.

هذه كلمات أحكي بها جزء الحال لا كله، فما لا يدرك جله لا يترك كله، مجسداً ما في القلب من ألم، حاكياً عن خطب قد ادلهم، معبراً عن شعور في النفس ألمّ، والحمد لله واهب النعم وسيع الفضل ذو المنن، على تقديره واختياره، فما لنا محيص عن خياره، فدنيا بها الأقدار تجري ولا ندري ما الخير في أمر للعبد يسري، فإن هذا فشكرَ وإن ذاك فصبرَ.

صالح بن عبد الله الغالب

محافظة الغاط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد