«الجزيرة» - سعود الشيباني
هكذا تحول السموم القاتلة الإنسان، من حالته الطبيعية الى وحش، وتخرجه من عالم الإنسانية إلى دنيا الإجرام التي ينعدم فيها الضمير، ويغيب الوازع الإنساني، وتتملك الفرد روح انتقامية ضد كل شيء، حتى لو كان هذا الشيء أقرب الناس إليه، لذا لا غرابة أن نقرأ ونسمع من القصص الواقعية ما لم نتوقعه حتى في عالم الأفلام.
وهذه إحدى قصص المدمنين، التي سجلتها يوميات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، حيث تحول شاب بالعقد الثالث من عمره، من شاب وديع عطوف، يسعى لتكوين أسرة يحفها الحنان وتلفها السعادة، إلى قاتل في جريمة تعد الأولى من نوعها حيث أقدم الشاب على قتل ابنه البالغ من العمر (18) شهرا وهو في وضع يرى أن تعاطي المخدرات يمثل الأولوية بالنسبة له على سائر الأعمال بما فيها حنان الأبوة أو الغيرة على الزوجة، أو حب البقاء في الدنيا والتكاثر بالبنين.
وتعود حيثيات القضية لتحول أسرة كان يسودها الحب والحنان والسكينة إلى مسرح من القصص والمواقف التي يندى لها الجبين، حيث تزوج الشاب قبل خمسة أعوام من فتاة تعمل معلمه، رزق بطفل اسماه (فيصل) وقبل قدوم المولود ب(8) أشهر فصل من العمل بسبب غيابه المتكرر، واستهتاره بالعمل، وعدم مبالاته في القيام بواجبه؛ بسبب تعاطيه المخدرات.
وبعد التحقق من الوضع من قبل الزوجة اكتشفت أن فارس أحلامها الذي كانت تراه السياج المانع، وحارسها وحاميها، ومنبع سعادتها، وصائن سمعتها، مدمنا للمخدرات وانه مطالب بمبالغ مالية تتجاوز (250) ألف ريال لتجار المخدرات وعصابات ترويج السموم القاتلة، وقد حاول الزوج الخائن إيقاع زوجته في براثن حثالة المجتمع، لأجل الحصول على المال الذي يوفر له المخدرات، لكن الزوجة رفضت وقاومت، وحاولت جاهدة إصلاح زوجها وقامت بإبلاغ أسرته وأهلها بأن الوضع لا يطاق وأنه على حافة الدمار.
بعد مضي ما يقارب العامين دخل الزوج على زوجته، وطلب أن تعطيه مبلغا من المال، وهددها بأنه سوف يقتل ابنه الرضيع (فيصل) اذا منعته المبلغ الذي طلبه ورفضت الزوجة إعطاءه المال، وحاولت الهروب بابنها من الزوج المدمن، ولكنه اخذ الطفل ورماه من الشباك بالدور الثاني من المنزل، ولم يقف عند هذا الحد، بل نزل للطفل وبدلا من أن يقوم بإسعافه أو نقله إلى المستشفى أخذه لمسافة تقدر بأكثر من (10) كيلوات ورماه من أعلى الكوبري على الطريق السريع للمدينة التي يسكن بها المدمن، وسقط الرضيع من أعلى الكوبرى وارتطم بالصخور الجمالية التي وضعتها البلدية تحت الكوبري ليصبح جثة هامدة ممزقة، وذهب الوالد المجرم الى شلة الفساد لإكمال السهرة بتعاطي الخمور وجرعات من الهيروين المخدر.
أما الأم المكلومة فقد قامت بالاتصال بالمديرية العامة لمكافحة المخدرات وإبلاغهم بكافة التفاصيل وتم نشر فرق ومتابعة الحادثة والاتصال على والد فيصل والذي رد عليهم بأنه رمى ابنه فيصل من أعلى الكوبري بعد أن رفضت الزوجة إعطاءه المال لشراء المخدرات، ولا شك أن القصة ستسير بعد هذه النقطة الى طريق التحقيق والمحاكمة والقصاص، ولكن أين الطفل، وأين أمه، وماذا سيكون مصير الزوج المدمن، وهل كان سيحدث شيء من ذلك لو لم يكن يتعاطى هذه السموم المدمرة؟