كثيراً ما تشتكي الدول التي تشهد بعض مناطقها حروباً أهلية ومواجهات عرقية من تجاوز منظمات المعونة التي تصنف على أنها منظمات إنسانية. بعض هذه المنظمات تتهم بأن موظفيها يعملون جواسيس تحت غطاء تقديم المساعدات، إذ ينشغلون بجمع المعلومات، والبعض الآخر ينهمك في القيام بالتبشير للديانة المسيحية، خصوصاً في المناطق الإسلامية التي تشهد كوارث وحروباً. أما التهمة الأخطر والموثوقة فهي ما خلصت إليه الصحفية السويدية والمراسلة المتخصصة في تغطية الحروب ليندا بولمان التي عرضت (آي. بي. إس) كتابها الأخير الذي تتهم فيه منظمات المعونة بإدامة المآسي الإنسانية في المناطق التي تشهد حروباً ومواجهات مسلحة.
وتتحرى الصحفية في كتابها المعنون ب(أصدقاء كهؤلاء - القصة غير المروية لعمليات المعونة في مناطق الحرب)؛ فتنتقد عمليات (صناعة المعونة) المتعددة المليارات من الدولارات، التي تصفها بأنها قطاع أعمال ينشط في سوق للعرض والطلب، متخفياً تحت رداء الأعمال الإنسانية والخيرية.
وتذكر أن منظمات كبيرة وغنية عادة ما تسارع في الذهاب إلى مناطق الكوارث والأزمات، وتتساءل: (هل يجب (السماح) بأن تواصل منظمات غير حكومية دولية تسليم مساعدات في حالة استغلال الأطراف المتحاربة لها لمصالحها الخاصة، ما يساهم في استمرار الحروب؟).
وتؤكد الكاتبة في التلخيص الذي قدمته (آي. بي. إس) أن (المعونات كانت دائماً موضع انتهاكات، وتختفي الأموال في الجيوب الخاطئة).
كما تتحدث بولمان عما أسمته (حمّى العقود)، وكيف أن منظمات الإعانة تركز على كسب العقود وتمديدها وضمان استمرار تدفق الأموال؛ فيتردد أن الأجور والتعويضات التي يتلقاها العاملون في قطاع المعونة مقابل العمل في مناطق خطرة تساهم في تعزيز نخبة عالمية؛ (ففي المناطق المنكوبة، غالباً ما يجري إعادة بناء المطاعم وملاعب الاسكواش والغولف والتنس قبل إعادة بناء المدارس والعيادات الطبية التي وقعت ضحية القصف).
وأضافت الصحفية بولمان: (أينما ذهب العاملون في قطاع الإعانة تزدهر تجارة الدعارة).
هذا وقد أفادت دراسة لمركز دراسات المجتمع المدني بجامعة جون هوبكينز الأمريكية لعام 2005 أن القطاع (غير الربحي) يشكل قوة اقتصادية ضخمة، بل يعتبر خامس اقتصاد في العالم، بحسب مؤشرات الناتج القومي الإجمالي، بعد الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، وبريطانيا.
وتضيف بولمان أن وجود (نحو 37.000 منظمة معونة في العالم تنفق نحو 130 مليار دولار، يجعل منها صناعة)، وتؤكد أنها ترحب بإمكانية محاكمة منظمات إنسانية في المحكمة الجنائية الدولية (بسبب الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في الحروب).
jaser@al-jazirah.com.sa