الحراك الفكري والمجتمعي، له نتيجة طبيعية هي الشد والجذب بين الآراء ونشوء خلافات واختلافات، إلا أن اللقاءات والحوارات التي تكون وجهاً لوجه بين المختلفين قد تخلق رؤى تصب في طريق الرأي المتقارب أو لنقل أن لا يأخذ الاختلاف تلك الحدة التي بدأت تصبغ خطاباتنا من كل الأطراف.
هذه المقدمة بنيتها على موقف شخصي، حينما وجهت لي الإعلامية والناشطة السياسية عائشة الرشيد الدعوة في الكويت لحضور فعاليات تقيمها مؤسسة «منار» بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي كان في الثامن من مارس المنصرم، والذي تشرّفت فيه بدرع من الشيخة فريحة الأحمد الجابر الصباح، ما حدث في يوم الندوة الثاني هو حضور الشيخ الدكتور محمد النجيمي، بل إنه ترأس الجلسة التي أقيمت تحت عنوان: «النظرة والثقافة المجتمعية والدينية للإعلامية»، تحدث للحاضرات وكان عددهن عشرون إعلامية، وقدم صورة دينية منفتحة وواعية حينما رفض ما يقوم به البعض من قذف أو تشهير تُرمى به الإعلامية مستدلاً بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك»، أيضاً وصل النقاش إلى تولي المرأة المناصب القيادية كأن تكون عضواً في مجلس النواب أو مجلس الشورى، أو أن تصل إلى منصب (مفتية)، حيث يرى فضيلته أنه لا يوجد أي عائق ديني يمنع المرأة من تولي هذه المناصب لأنها ليست من الولايات العامة.
ومن رؤى الدكتور محمد النجيمي، التي أعجبتني وطالبته بطرحها على مستوى الإعلام المحلي، هو استدلاله بمذهب الإمام مالك في أن يبقى الولد والبنت في حضانة الأم بعد الطلاق إلى أن يتما خمسة عشر عاماً، بعدها يخيّرا بين أمهما أو أبيهما، كما أنه إذا اقتضت المصلحة أن تبقى الفتاة مع أمها بعد زواج الأم فلا حرج، وقلت وقتها للدكتور النجيمي إن هذا الرأي من شأنه أن يغيِّر الكثير من حياة النساء اللاتي وقعن في ظلم الرجال بعد الطلاق وتعسف هؤلاء الرجال في حرمان الأمهات من فلذات أكبادهن، خصوصاً «البنت» وهي الحلقة الأضعف، ولا زلت أجدد مطالبتي له ولغيره من ذوي الرؤى الدينية المنفتحة المقبلة على الحياة بتفعيل هذه القضية الهامة.
وصل النقاش الهادئ والجميل إلى قضية الاختلاط، ووجهت سؤالاً لفضيلته حول هذا الموضوع وما فيه من تناقضات، فالشيخ النجيمي يجلس بين عشرين سيدة في قاعة واحدة، وهذا اختلاط، وجاء سؤالي عن موافقته على الجلوس في هذا المكان مع أنه في الوقت ذاته يرفض الاختلاط، ويدافع عن بعض المشايخ أصحاب الرؤى في هذه المسألة، لكنه أجابني بأنه لا يمانع من اختلاط الرجال بالنساء في الندوات أو اللقاءات العارضة بين الرجل والمرأة سواء في العمل أو في مكان عام، وأنه يرفض الاختلاط الذي يبقى فيه الرجل مع المرأة لوقت طويل بشكل يومي.
أعتقد، أن من واجب الشيخ النجيمي طالما لديه هذه القناعة التي بناها على أدلة وبراهين من الكتاب والسنة، أن يوجه النصيحة لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأننا بهذه الرؤية التي يمكن أن توضع ضمن قوانين جهاز الحسبة، ستنتهي قضية (الخلوة) التي يعتقل بناءً عليها رجال الهيئة عشرات النساء والرجال في المطاعم والمقاهي والأماكن العامة، أليست هذه تدخل ضمن الاختلاط غير الدائم؟
وأختم مقالي بما بدأت به، إن تقارب وجهات النظر ومحاولة البحث بين المختلفين عن طريق متقارب لا يمكن أن يتم إلا على طاولة نقاش وحوارٍ حيّ وجهاً لوجه.
www.salmogren.com